لمحـة تاريخيـة Historical Sketch
لو قيض لنا أن ننقب في الماضي ، لاكتشفنا أن صناعة العطـور قد ازدهرت في فترة يظن أنها سبقت التقويم المـيلادي بحوالي 3000 سنة . ومن المعروف أن المصريين اعتادوا دفن حاجات ووسائل رفاة الميت معه ، ومنها أواني المرهم المطعمة بالمرمر والتي تحتوي على كميات من المواد العطرية ، والتي مازالت تنشر أريجها بشكل يثير الدهشة ، والمرايا , وأواني الكحل وأميال الإثمد .
ومن أحدث الموجودات التي نقلت من قبر الملكة والدة خوفو (صاحب هرم خوفو) إلى القاهرة : سبع جرار تحتوي على المراهم المعطرة التقليدية عند المصريين , بينما احتوت الثامنة على الكحل .
ومازالت العاديات الأثرية والقبور الأخرى تحمل شواهد هامة على عظمة تقدير المصريين للعطور . فعلى سبيل المثال ، صورت على لوحة كبيرة من الغرانيت متصلة بصدر أبي الهول ، الملك تحوتمس الرابع (حوالي 1600ق.م) ، تقدمة قربان من البخور والزيت والمرهم العطرين
إنتاج العطور الطبيعية The production of Natural perfumes
يتضمن هذا الفصل البحث في البنود الخمسة التالية :
أولاً : العطور في النبات .
ثانياً : البحث الزراعي .
ثالثاً : مواسم المحاصيل الجديدة لمعظم الزيوت والأزهار المهمة
رابعاًً : فصل المواد العطرة من النبات بواسطة :
1 – التقطير .
2 – العصر .
3 – الاستخلاص بالنقع ، والمرس ، وبالمذيبات الطيارة .
أولاً – العطور في النبات The Perfume In The Plant
العطور الطبيعية ، واحدة من أهم الظواهر المدهشة للنباتات العطرية ، وربما تبلغ هذه الظاهرة أعلى درجات سموها بالعبير الذي تزفره الأزهار الطازجة . ويعزى العبير إلى آثار ضئيلة جداً من الزيت العطري الموجود في التويجيات ، في حالة حرة أحياناً ، كما في الورد والخزامى وأحياناً على شكل غلوكوسيد ، يتحلل ضمن ظروف إيجابية بوجود أنزيم أو تخمر ، كما في الياسمين ومسك الروم . ولكن وجود الزيت الطيار لا ينحصر إطلاقاً بالأزهار ، بل كثيراً ما يوجد في أجزاء أخرى من المتعضي النباتي . فقد تم اكتشافه مثلاً في :
الأزهار كما في : السنط الفرنسي ، والقرنفل الشائع ، والقرنفل ، والمكحلة ، ورقيب الشمس ، والميموزا ، والياسمين ، والنرجس الأسلي ، وزهر البرتقال ، والورد ، والبليحاء ، والبنفسج .
الأزهار والأوراق كما في : الخزامى ، وإكليل الجبل ، والنعناع البستاني ، والبنفسج .
الأوراق والسوق كما في : إبرة الراعي ، والبتشول ، والبتيغران ، ورعي الحمام ، والقرفة .
القشــور : الكانيلا ، والقرفة ، والسنا .
الأخشاب : الأرز ، واللينالوي ، والصندل .
الجــذور : الملاكية ، والساسفراس ، ونجيل الهند .
الجذامير : الزنجبيل ، والسوسن ، وأسل الهند.
الثمـــار : البرغموت ، والليمون ، والليمون المالح ، والبرتقال .
البــذور : اللوز المر ، واليانسون (بكلا نوعيه) ، والشمر ، وجوز الطيب .
والإفرازات الراتنجية : اللاذن ، والمر ، واللبان ، وبلسم بيرو، والأصطرك ، وبلسم طولو .
إن النظريات التي أحرزت تقدمها على أيدي الباحثين القدامى ، والمتعلقة بتكون الزيت العطري في النبات ، تستحق الملاحظة .
ففي عام 1887 اعتبر أن النشويات والسيولوز هما نقطتا الانطلاق في التكون الراتنجي ، الذي يسبقه تكون الزيوت العطرية .
وفي عام 1906 اعتبر أن تكون الزيت يسبق تكون المواد الراتنجية في الخلية ، والراتنجيات نشأت من مواد تراكمت في غشاء الخلايا المجاورة لقناة الإفراز.
وفي عام 1894 اعتبر أن الزيوت العطرية هي نواتج انحلال الكلوروفيل . ففي الأزهار تتوضع النواتج في خلايا السطح الداخلي للأدمة ، حيث يتحول الكلوروفيل إلى زيوت عطرية .
وحديثاً اعتبر أن الكحولات عديدة الهيدروكسيل ، هي نقطة انطلاق تكون التربينات العطرية .
اعتبر الباحثون جميعهم ، أن الزيوت العطرية هي نواتج إفرازية تكونت أثناء استقلاب المواد التي أدت وظيفتها في حياة النبات . وذهبوا إلى أبعد من ذلك ، عندما اعتبروا أن لخصوصية الرائحة في تلك الزيوت قرابة واضحة إلى وظائف الحشرات والحيوانات ، لكنها قرابة ضعيفة جداً إلى وظائف الحياة في عالم النبات .
ومما تبيّن لاحقاً أن الزيت العطري ، لم ينشأ في أكثر الأحوال ، في جبيلات الكلوروفيل ، وإنما نتج عن عمل الكلوروفيل التمثيلي . وفيما يتعلق بتكون المقومات المستقلة للزيوت العطرية ، فإن وجهات النظر التالية تعتبر مقبولة بشكل عام :
الكحولات : تشكلت أولاً في جبيلات اليخضور .
الإسترات : تشكلت بتأثير الأحماض على الكحولات في جبيلات اليخضور .
الهيدروكربونات : تشكلت بنزع الماء من الكحولات في جبيلات اليخضور .
الكحولات العطرية : تشكلت بالتزامرية التماكب .
الأحماض : تشكلت من تحلل البروتينات أو من تأكسد الكربوهيدرات
الألدهيدات : تشكلت من تأكسد الكحولات ، وخصوصاً في الإزهار .
الكيتونات : تشكلت ربما بنفس طريقة تشكل الألدهيدات .
الفينولات : تشكلت من تشطر البروتينات ، أو من الأحماض العطرية
ثانياً – البحث الزراعي Agricultural Research
إن إنتاج المواد الخام لصناعة العطور ، هي صناعة فرنسية هامة ، وقد أخذت تحظى ، منذ بضع سنوات ، ببعض الاهتمام من الحكومة الفرنسية . فهناك دائرة خاصة في وزارة التجارة والصناعة ، تتعامل حصراً مع النباتات ، إلخ ، والتي تزرع من أجل صناعة العطور والأدوية . ومنذ حوالي أواخر عام 1927 ، تجدد الاهتمام بمنطقة غراس فأنشئت محطة زراعية تجريبية لدراسة كافة المشاكل المتعلقة بصميم صناعة العطور الفرنسية ،
ومن بين الأهداف الرئيسية للمحطة ، العمل على مساعدة المزارعين للمحافظة على إنتاجهم ، وتحسينه نوعاً وكماً ، واختيار أفضل أنواع النباتات ، إضافة إلى ترسيخ زراعتها . وهذه النقطة ذات أهمية صناعية كبيرة ، لأن الأزهار والأشجار تباع في الوقت الحاضر على أساس الوزن ، لا على أساس إنتاجها من العطر . ولذلك يغدو واضحاً ، أن المزارعين يهدفون اليوم للحصول على ناتج نباتي كبير ، قد يكون غالباً على حساب الزيت المطلق في الزهر . وهناك نقاط أخرى جديرة بالاهتمام هي : الصرف ، والري ، ودورة المحاصيل ، والمخصبات ، والطفيليات إلخ .
ثالثاً – مواسم المحاصيل الحديثة Time of New Crops
كانون الثاني : خشب الورد ، القرنفل ، اللينالوي ، البرغموت ، الليمون
شباط : السوسن ، الميموزا ، البرغموت ، الليمون .
آذار : البنفسج ، الأترجية ، القرنفل ، إبرة الراعي بوربون .
نيســان : النرجس الأسلي ، النرجس ، المكحلة .
مايــس : الورد ، زهر البرتقال ، إكليل الجبل ، نجيل هند بوربون ، إبرة الراعي ، الصعتر .
حزيران : الورد ، القرنفل الشائع ، البتيغران ، سنط فرنسي ، خشب الورد ، نجيل الهند .
تمــوز : الياسمين ، الخزامى ، إبرة الراعي ، الليمون المالح ، الورد ، إكليل الجبل ، الصعتر.
آب : الياسمين ، مسك الروم ، الخزامى ، الكراويا ، حشيشة الليمون ، النعنع ، السوسن .
أيـلـول : بزر اليانسون ، الياسمين ، مسك الروم ، أترجية سيلان ، الخزامى ، البالماروزا , النعناع السنبلي ، إبرة الراعي .
تشرين أول : الياسمين ، مسك الروم ، الكراويا ، الخزامى السنبلية ، البرتقال ، البالماروزا ، إبرة الراعي ، السوسن .
تشرين ثاني : السنط ، إبرة الراعي ، الليمون ، الليمون المالح , النعنع ، الصندل .
كانون أول : السنط ، البرغموت ، الليمون ، حشيشة الليمون ، البالماروزا .
رابعاً – فصل المواد العطرية الطبيعية :
Separate of Natural odoriferous Materials
1 ـ التقطير :
يعود تاريخ هذه العملية في شكلها البدائي إلى العصور القديمة ومن بين أقدم أنواع أجهزة التقطير : القرعة ، والإمبيق والتي بقيت تستعمل حتى منتصف القرن التاسع عشر ، لكنها راحت تتسارع في السنوات الأخيرة بسبب التقدم الكبير الذي أحرزته صناعة العطور . إن تحسين إنشاء أجهزة التقطير البخارية والفراغية ، خلال هذه الفترة ، لم يعمل فقط على زيادة إنتاج الزيت وخفض قيمته ، لكنه أيضاً حسّن نقاوة الإنتاج ورغم ذلك لم يعقب هذا التطور استخدام شامل للأجهزة الحديثة ، لأن الأجهزة البدائية نسبياً ، والتي تعمل على النار المكشوفة مازالت تستعمل حتى اليوم في أجزاء مختلفة من أنحاء العالم .
والزيوت الطيارة عادة ، سوائل رجراجة ، عطرة جداً ، ويمكن الحصول عليها من النبات بالتقطير بالتبخير ، دون الخضوع للتحلل . وتضم عادة عدة قوامات مستقلة ، تختلف في البنية الكيميائية ، وتعزى رائحة الزيت إلى واحد أو أكثر من هذه القوامات . فرائحة زيت اللوز مثلاً تعزى ، بصورة رئيسية ، للبنزالدهيد ، ورائحة زيت البرغموت إلى خلات الليناليل ، ورائحة زيت القرنفل إلى اليوجينول . ولكن حين يكون تركيب الزيت أكثر تعقيداً ، يظن أن الرائحة المميزة له ، ينبغي أن تعزى إلى التآلف التام لعدد من المقومات العطرية . ويتضح هذا الأمر جيداً في حالة عطر الورد ، حيث تلعب بدون شك إسترات كحول الجيرانيول والسترونيلول بالإضافة إلى الألدهيدات الأليفاتية العليا دوراً مهماً في تعيين رائحة الورد المميزة ، على الرغم من وجودها بكميات قليلة جداً .
تُستخدم طرق تقطير مختلفة لفصل العطر من النبات ، ويعتمد اختيار الطريقة على طبيعة الناتج وعلى المحصول الذي يمكن الحصول عليه . تشترك عدة عوامل في تكوين كمية الزيت العطري الذي يمكن “كسبه” من النبات ، ليس أقلها الاهتمام الذي يولى لزراعته . ففي كثير من الحالات طبعاً ينمو النبات برياً ، ولا تبذل جهود لدراسة نوع معين من السماد يمكن استخدامه لزيادة محصول الزيت بشكل عملي . وقد تم إدراك هذا الجانب من العملية ، ففي حالة الخزامى ، وجد أن محصول الزيت يزداد إلى أكثر من الضعف باستخدام السماد الصناعي ، الذي يتألف من نترات الصوديوم ، وكلور البوتاسيوم ، وسوبر فوسفات الكالسيوم .
قلما تُوضع المادة الخام في المقطر على شكل مسحوق ناعم ، لأنها تميل إلى تشكيل كتلة لا تخترق بالبخار عند فتحه . وبالتالي يفلت البخار من حول الجوانب أو عبر الشقوق ، فيبقى الجزء الأكبر من الشحنة بدون معالجة . وفي بعض الأحيان يشيع تجفيف المادة الخام قبل التقطير ، ولكن قد يعزى هذا إلى بعد مكان الجمع عن الجهاز ، أو لازدحام المقاطر في ذلك الوقت ؛ إن تجفيف الجذور في حالة السوسن ضروري لتطوير رائحته .
ويمكن تقسيم عمليات التقطير إلى القسمين الرئيسيين التاليين :
1 – التقطير بالغلي بالماء .
2 – التقطير بالجرف بالبخار .
والطريقة الأولى هي الأقدم والأسهل . ومع الاستعمال الماهر يمكننا الحصول على نتائج جيدة ، ولكن إذا بقي جزء من المادة الخام دون غمر بالماء ، وكان على تماس مع جوانب الجهاز الحارة ، يحدث تقطير إتلافي ، تنتج عنه أجسام بغيضة ، وبالتالي تضعف رائحة الناتج النهائي
ويمكن التغلب على ذلك بتطبيق الطريقة الثانية للتقطير ، وعند الضرورة يمكن أن يعمل جهاز التقطير تحت ضغط منخفض .
تتفاوت طرق وضع المواد الخام داخل المقطر ، ففي حالات كثيرة تستخدم صفيحة معدنية مثقبة ، أو قعراً كاذباً ، بينما تعلق بالغطاء في حالات أخرى سلة لها نفس قطر المقطر ، وتنطبق على جوانبه بإحكام ، وتمكن إزالتها بسهولة . وتعتمد سرعة تقطير الزيت العطري ، بصورة رئيسية ، على حالة المادة الخام ، وعلى سرعة تحرر الزيت الطيار من تلك المادة . ويتأثر هذا بضغطه البخاري ، وبالوزن الجزيئي لمقوماته .
يتأثر التكثيف بأوساط ملفات التبريد ، كما في حالة زيت السوسن . وتستخدم أشكال كثيرة متقنة الصنع من أجهزة الاستقبال لاستقبال الزيت عند تدفقه أما الماء المكثف فيعود آلياً إلى المقطر .
2 ـ العصر :
تستعمل هذه الطريقة لفصل زيوت الليمون والبرتقال والبرغموت والليمون المالح من قشورها . إما يدوياً كما كانت في السابق , أو آلياً كما تستعمل اليوم , وتشتهر إيطاليا بإنتاج مثل هذه الزيوت العطرية .
3 ـ الاستخلاص :
تعطي طريقة فصل الزيوت الطيارة من النباتات ( وأزهارها ) بواسطة التقطير زيوتاً ذات نقاوة رائعة ، وعبيراً لطيفاً جداً . ولكن لما كان كثيراً من المواد العطرية غير المستقرة تتلف أو تتخرب كلياً بدرجة حرارة البخار المرتفعة ، أو تكون كمية الزيت العطري قليلة ، لذلك تستخدم طريقة الاستخلاص بالمذيبات لفصل الأجسام العطرة من الأزهار وقد تم بشكل عام ، استخدام المذيبات الطيارة وغير الطيارة ، وفقاً لشروط درجة الحرارة أثناء العملية . ويشار إلى هذه التميزات كما يلي :
1 – الاستخلاص بواسطة المذيبات غير الطيارة .
أ – بدرجة الحرارة العادية – نقع الزهر .
ب – باستخدام التسخين – المرس .
2 – الاستخلاص بالمذيبات الطيارة ، كالنفط والإتير ،إلخ .
ويعتمد اختيار الطريقة على نوعية النباتات والأزهار العطرية .
آ ـ بواسطة النقع Effleurage :
هي أقدم طريقة لاستخراج العطور , حيث تنقع الأزهار العطرية مع الدهن الذي يمتص ويحتجز المادة العطرية . ويعطي ما يسمى بـ ” مراهم الغسل ” Pomades for Washings . تستلزم طريقة النقع استخدام أطر خشبية ، يسند كل منها لوحاً زجاجياً ، يجري توزيع الدهن بارداً أو مسخناً قليلاً وعلى شكل طبقة رقيقة على كلا سطحي اللوح الزجاجي مع ترك هامش قرب الحواف وبعدئذٍ توضع التويجات ، بشكل خفيف فوق الدهن .
تُوضع عدة هياكل ، جرى تحضيرها على هذا النحو ، في طبقات كما أوضحنا ، بحيث تحصر التويجات بين طبقتين من الدهن ، تمتص كلتاهما ، العلوية والسفلية ، العطر حال إطلاقه ، تستبدل الأزهار الناضبة بأزهار جديدة ، على نحو يومي في حالة الياسمين ، وكل يومين أو ثلاثة في حالة مسك الروم . يقلب الهيكل مع تعاقب الاستعمال ، لضمان توزيع متوازن للعطر . ويستمر تجديد الزهر حتى يشبع الدهن تماماً بالعطر ، والناتج الحاصل بعد نزعه هو المرهم .
ب ـ المرس Maceration : ( النقع بالزيوت السائلة )
ينطوي على استخلاص الأزهار ، بغمرها بالدهون أو الزيوت السائلة ، بدرجة حرارة تتراوح بين 60-70 مئوية حيث تتمزق التجاويف التي تحتوي على الزيت العطري بتأثير الحرارة ، ويمتص الدهن المقوم العطري . وعندما يكتمل الاستنفاذ ، تقذف محتويات الحوض فوق حاجز مثقّب (منخل) ، وتترك هناك لتجف . يجمع الدهن وتمزج فيه كميات أخرى من الأزهار ، وتتكرر العملية حتى تتشبع أوساط الاستخلاص بشكل كامل .
ج ـ المذيبات الطيارة Volatile Solvents:
ظهرت هذه الطريقة عام 1835 . فقد استخلصت أزهار الزنبق الأسلي بالأتير ، وتم الحصول على عطر كثيف يتميز برقة كبيرة . غابت هذه الطريقة عن انتباه الكيميائيين حتى عام 1856 ، عندما تمّ استخلاص العطور من عدة أزهار ، عن طريق معالجتها بمختلف المذيبات ، كالكلوروفورم والبنزين وثاني كبريتيد الكربون والكحولات الميتيلية والأتيلية ، إلخ . كانت النواتج من نوعية جيدة ، وجربت الطريقة تجارياً ، ولكنها لم تكن مجزية بسبب خسارة المذيب ، فتوقف العمل بها . وفي عام 1879 ، ابتكر جهازاً مغلقاً ، ساعد في تفادي تلك الخسارة . ومع ظهور المشتقات النفطية الخفيفة ، هيأت هذه الطريقة إمكانيات تجارية ، ولكنها لم تستعمل على نطاق تجاري حتى عام 1890.
ولإزالة الشموع النباتية ، ترجُّ الزيوت الكثيفة مع كحول إيتيلي 95.5 % لمدة 24 ساعة في آلات تدعى الدراسة batteuse ، وتنزع الشموع اللاذئوبه بالترشيح . تحتوي الرشاحة الكحولية على كميات قليلة من الشموع الذؤوبة ، تفصل بالتجميد بدرجة 20 تحت الصفر . يتم الحصول على الزيت المطلق الموجود في الزهر من هذا المحلول الكحولي الذي جرد من الشمع إما بإزالة المذيب بالتقطير في الفراغ ، وإما بإضافة الملح ، وعند ذلك ينفصل العطر على السطح ويجمع .
يحتوي زيت الأزهار المطلق على كميات متفاوتة من مادة ملونة ، تعتمد على المذيب الطيار المستخدم لاستخلاص الأزهار . ووجود هذه الأصباغ أمر ليس مرغوباً فيه دائماً وبالتالي ، يتم في حالات كثيرة تصنيع ما يدعى بالخلاصات عديمة اللون colourless absolutes ، إذ يجري فصل قسم من الصبغ بالتقطير بالتبخير في الفراغ ، أو بتقطير مشارك مع غليكول الإتيلين ، أو بتعريض الناتج للأشعة فوق البنفسجية.
الاستخلاص بسائل CO2 :
طريقة ألمانية ظهرت مؤخراً ، يقال بأن الزيت العطري يستخلص بواسطتها ، بـدون إضعاف لرائحـة الناتج الطبيعي . وفـوائدها هـي انخفـاض درجــة الحـرارة ، ومحصول كمي جيد ، وتبخر للمذيب من الخلاصة بشكل كامل أو تلقائي .
الاستخلاص بغاز البيوتان butane :
اقتصر استخلاص العطر من الأزهار بالمذيبات الطيارة ، حتى وقت متأخر ، على استخدام الهبتانheptane ( 60- 80 % ) من إتير النفط أو البنزول النقي ، حيث يمكن الحصول على ملاطات الزهر. ولكن إدخال استعمال البوتان مؤخراً ، فتح عصراً جديداً في إنتاج ملاطات مختارة يمكن الحصول منها على خلاصات ذات نوعية رفيعة جداً تدعى بـ البيوتافلورز butaflors . وبشكل خاص ، من بعض الأزهار المرهفة ، كالليلك ، والمضعف ، والغردينية ، التي أعطت معالجتها بإتير النفط نتائج غير مرضية .
وإن المصنع اللازم للمعالجة بالبوتان ، أكثر تعقيداً وكلفة من المصنع المستخدم للمذيبات الأخرى . حيث يحتاج استخدام الغاز المميع تحت الضغط لأجهزة مغلقة لمنع التسرب ، يمكنها مقاومة ضغط داخلي بمقدار 6 كغ / سم 2 مزودة بأجهزة ضبط و صمامات مصنوعة من نوع خاص من الفولاذ . وبالتالي تكلف مثل هذه المجموعة خمسة أضعاف ما تكلفه مجموعة استخلاص عادية . إضافة إلى ذلك ، تحتاج منشأة وحدة الاستخلاص إلى بناء يقام وفقاً للمقاييس العيارية الدقيقة ، وتجهيزات كهربائية مقاومة للنار ، إضافـة إلى أسلاك توصيل أرضية لإزالة الكهربائية الساكنة . تشحن الأزهار في أجهزة استخلاص تعمل تحت ضغط مقداره 2 – 3 كغ/سم2 , ويسمح لتيار معاكس من البوتان السائل بالدوران ، بصورة مستمرة ، حتى تنضب الأزهار .
يجمع البوتان المعطر في مبخرّ evaporator خاص , ويُترك بعد تبخر المذيب مادة جامدة عطرة هي الملاط . يعالج الملاط للتخلص من الشموع غير العطرة وبعد تبخر المذيب ، يكون الباقي عطر essence ذؤوب كلياً في الكحول ، هو البيوتافلور butaflor .
المحصول (yield ) :
المحصول الوسطي من 1000 كغ من الأزهار المعالجة ملاطا” وخلاصة هو كما يلي :
الياسمين 2.800 كغ 1.400 كغ
الورد 1.900 كغ 1.150 كغ
المضعف 1.100 كغ 0.440 كغ
مسك الروم 0.700 كغ 0.210 كغ
الليلك 0.900 كغ 0.180 كغ
البرتقال 1.950 كغ 0.980 كغ
الغردينية 1.050 كغ 0.80 كغ
يُعزى الاختلاف الأساسي ، بين الخلاصات العادية والبوتافلورز إلى حقيقة أن الخلاصة العطرية تتكون تحت ضغط بدرجة حرارة أدنى من درجة حرارة المحيط ، وأن السوائل المعطرة تتركز بدرجة الحرارة دون 10 مئوية .
تصنيف وتثبيت الرائحة
Classification and Fixation of Odor
عمدوا غالباً إلى مقارنة صناعة العطور بالموسيقى والرسم ، وهي أعمال إبداعية ، يتطلب كل منها تطبيقاً فنياً لمبادئ متشابهة حتى ولو حظي العبير ، أو السمفونية ، أو اللوحة الزيتية باستحسان عام ، أو حتى لو تعرضت لنقد جارح ، من قبل كل من الناقد والجمهور .
هناك تماثل في الدافع المبدع عند الجميع : فالموسيقي يؤلف مجموعة من النغمات ليشكل لحنه الرئيسي الجديد ، ويكتشف الرسام منظراً جميلاً فيرسم مخططاً أولياً لموضوعه الجديد ، ويمزج العطار ببراعة بعض المواد العطرية لتوليد أساس عطره الجديد . ويحتاج تنسيق كل فكرة إلى معرفة واسعة من قبل المنشئ ، وتصميماً مستمراً ، وصبراً كبيراً ، إذا أريد للدافع أن يصل في النهاية إلى الكمال .
فالمؤلف الموسيقي يجب أن يُفهم الإيقاع ، وفن مزج الألحان ، بالإضافة إلى الصفات الخاصة لكل آلة في الجوقة الموسيقية . وهو قد يستخدم واحدة أو أكثر من تلك الآلات لصياغة لحنه ، وبقية الآلات لإضفاء خلفية متآلفة الألحان ، لإنتاج قصيدة لحن معقدة ، يمكنه فيها تنويع إيقاعه ومقامه ، ليشد إليه السامع ويسحره .
والرسام يجب أن يكون ملماً في مزج الألوان ليضفي على لوحته المكتملة جواً وإضاءة ومنظورية
والعطار كذلك يجب أن يتمتع بمعرفة صحيحة ربما بألف مادة عطرية وأن يكون حسن الاطلاع على القيمة العطرية لكل منها ، ومصدرها ، والميزات التي تحدد صفتها ، بالإضافة إلى نمط زهرها ومدى امتزاجها ويجب عليه ، فوق ذلك أن يختار ويستخدم بمهارة كلاً من تلك المواد ، ليركب ويعزز ويظلل نفحته الأساسية ، إلى أن تصبح سمفونية عبير ، ولكن هذا ليس كل شيء ، لأنه إذا كان سيستخدم إبداعه كعطر لمستحضرات التجميل ، فسوف يحتاج أيضاً إلى معرفة عميقة بتركيب تلك المستحضرات ، والتأثير الذي تحمله كل من موادها الخام على كـل مقوم من مقومات عبيره الأصلي الذي يشمل الاختيار البارع والمزج الجديد للحصول في النهاية على نفس النفحة المكتملة ،
من بين الفنون الثلاثة ، يمكن القول بأن تثمين الرسم هو الأسهل ، لأن استمرار اللوحة يتح لها أن تدرك على نحو مفهوم أكثر وأن تقيم بالنظر ، في حين تحبط الطبيعة غير الحسية للموسيقى ولصناعة العطور أي تقييم مادي بالسمع أو بالشم .
إنه لمن الغريب ، ولكنها الحقيقة ، أن تكون أسس هذه الفنون الثلاثة غير مفهومة بصورة متساوية فقد نشرت في الموسيقى والرسم أعمال مفصلة كثيرة ، يستطيع دراستها المؤلف المحتمل أو الرسام المحتمل ، ويمكنهما الحصول من تلك الدراسات على كثير من التوجيه ، الذي ينتفعان به في سياق عملهما . والحق يقال أيضاً ، أن البحث وفر أرضية صلبة لعمل العطار ، بقدر ما حددت فيه الثوابت الكيميائية والفيزيائية لكل مادة من مواده الأولية ، بالإضافة إلى تحليل كامل تقريباً لمعظم الزيوت العطرية ، وملاطات وخلاصات الأزهار ، والتي تجدها جميعاً في العديد من الكتب والتي تفيد العطار في عمله الإبداعي .
وقد وضع خبراء العطور تحليلاً وتصنيفاً للروائح على أساس عددي . فقد حاولوا في بحوثهم اكتشاف عناصر الإحساس التي تنظم جميع الروائح ، وتوصلوا إلى استنتاج يقول بوجود أربعة أنماط من الأعصاب الشمية ، التي تتحرض بدرجات متفاوتة بمختلف المنبهات الكيميائية ، وهي ما نسميها بالروائح الكريهة ، أو بالروائح الأرجة ، أو العطور . وهذه الأحاسيس الأربعة الأولية للروائح هي :
1 ـ العطرة أو العذبة or sewed fragrant
2 ـ الحمضية أو الحامضة acid or sour
3 ـ المحترقة أو الشياطية burnt or empyreumatic
4 ـ الكبريليكة أو الخمرية caprylic or oenanthic
وقاموا بتنسيق عدة مئات من المواد الكيميائية ، وبعض الزيوت العطرية ، وفقاً للكميات النسبية لكل مكون عطري . وحددوا لكل مكون رقماً ، أو معاملاً coefficient يشير إلى شدته ، بمقارنته مع مجموعة من المعايير التي هي أكثر أو أقل على نحو اعتباطي . ووجدوا أنه من الممكن أن نلاحظ وبسهولة ثمان درجات وصفر لكل مكون .
يبرز الإحساس ( عَطِرْ ) في عذوبة الأزهار , ويغيب عملياً في حامض الفورميك الذي حدد له القيمة صفر . وتمكن ملاحظة كمية معتدلة في كحول إيزوبروبيل ، الذي حددوا له القيمة 3 ؛ لا ريب في أن العذب sweet هو السترونيلول والجيرانيل الذي قيماهما بالرقم 6 ؛ وأعطوا القيمة 7 ، لساليسيلات إيزوأميل وساليسيلات إيزو بوتيل : كيتونات المسك الحيواني . وبعض كيتونات البنفسج عذبة جداً ، فأعطيت لذلك الرقم 8 .
والإحساس ( الحامضي acid ) ، هو مكون الحامض الخلي وحمض الفورميك وثاني أكسيد الكبريت الذي يضفي حدة على الرائحة ، والذي يعرف على نحو شائع بالخلي أو الحامض . وله علاقة بعيدة بالحموضة الكيميائية ، يدل عليها بروزها في السترال ، والكافور ، والأسيتون ، وعدد من المواد الأخرى الكيميائية المحايدة .
وتميز الرائحة ( المحترقة burnt ) بصورة جيدة ، وتكتشف بسهولة ، وكمثل على ذلك : الجيرانيول 2 ؛ السترال 4 ؛ خلات البورنيل 5 ؛ سكاتول 7 .
أما إحساس ( الكابريليك ) فهو إحساس كريه عادة عندما يكون شديداً مع أن أكثره يفقد تقريباً عند غيابه ويوجد بكمية قليلة جداً في الكحول الجيد المطلق ، ولكنه يوجد بكمية كبيرة في الزيت الكحولي .
والطريقة التي اتبعت لتحديد أرقام الروائح كانت عن طريق الشم ، بحيث يشم مكون واحد في كل مرة . ثمّ قدّم تصنيف آخر للروائح وهو على النحو التالي :
فقد سميت المواد التي مُعامِلاتها من 1 – 14 بالنفحات العليا top notes ؛ وتلك من15 – 60 بالنفحات المتوسطة middle notes ؛ والأخرى من61 – 100 بالنفحات القاعدية basic notes. .
النفحات العلياtop notes :
أسيتوفينون 1 ، الليمون المالح Limes 2 ، الكزبرة 3 ، الخزامى 4 ، خلات التربينيل 5 ، البرغموت 6 ، الجيرانيول 7 ، ساليسيلات الأميل 8 ، النعنع البستاني 9 ، خلات الليناليل 10 ، البرتقال الحلو 11 ، كربونات هبتين الميتيل 12 ، خلات فينيل بارا كريزيل 13 وحشيشة الليمون 14
النفحات المتوسطة middle notes :
الهليو تروبين 15 ، اليوجينول 16 ، المليسة 17 ، خلاصة السوسن 18 ، رعي الحمام 19 ، الناعمة القاسية 20 ، ألدهيد الأنيسون والأيونونات ionones 21 ، خلاصة ماء زهر البرتقال 22، خلاصة رتم المكانس 23 ، الأيلنغ 24 ، خلاصة زهر البرتقال 31 ، جذر الكرفس celery root34 خلاصتا الياسمين والورد 43 ، وزيت زهر البرتقال neroly 50 .
النفحات القاعدية basic notes :
كحول السيناميك65 ، كيتون نفتيل الميتيل77 ، سترونيلال الهيدروكسيل 80 ، غليسيدات فينيل ميتيل الأتيل 88 ، ألدهيد بخور مريم 89 ، راتنجات السوسن والجاوشير 90 ، أونديكا لكتون undecalactone 91 ، جذر حشيشة الملاك 94، وألدهيد سيناميك الأميل ، والكومارين ، وألدهيد الديسيل ، والإيزو يوجينول ، وراتنج اللادن Labdanum resins ، والمسك الصناعي ، وراتنج أشنة البلوط ، والبتشول ، والألدهيد الخلي الفينيلي ، والصندل ، وألدهيد الأونديسيل ، والفانيلين ، ونجيل الهند 100 .
مواد تركيبية عديمة الرائحة ، تستعمل لتثبيت رائحة العطور مع درجات غليانها :
فثالات الأميل 3 مئوية , بنزووات الأميل 212 مئوية حامض البنزوويك 249 مئوية , ثاني خلات ريزوكرنيول 278 مئوية بنزووات البنزيل 323 مئوية , فوسفات ثلاثية الكريزيل 430 مئوية .
أوكسالات سيكلوهكسانول 220 مئوية,غليكول ثلاثي اللإتيلين 276مئوية غليكول ثنائي الإتيل245 مئوية , فوسفات ثلاثية الفينيل 410 مئوية .
فثالات ثنائية الإتيل 293 مئوية .
يبدو أن هذه ( المثبتات ) عديمة الرائحة ، وذات درجة الغليان المرتفعة تمارس عملية تأخير واضح على تبخر النفحة العليا والمتوسطة للمواد التركيبية ، ولكنها تفعل ذلك على حساب طلاوة freshness ونشاط المادة الصرفة . وفي بعض الأحيان يفسد عبير العطر باستخدام تلك المثبتات ، ولذلك ينبغي التغاضي عن استخدامها في هذه الحالة كمثبتات وخاصة في المركبات القاعدية ذات الطبيعة الزهرية الخفيفة أو سريعة الزوال .