الإتحاد العربي للصناعات الغذائية
}المؤتمر الثاني للأمن الغذائي والصناعات الغذائية
في منطقة الخليج والجزيرة العربية{
حــبّ العزيــــــز كمصدر للسكروز- والنشاء- والزيت
( دراسة تاريخية ، فقهية ، لغوية ، زراعية، تكنولوجية )
إعداد
طارق اسماعيل كاخيا
– رئيس الجمعية الكيميائية السورية
– المدير الفني لشركة ALDAR السويدية
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
“وأنزلْنا عليْكُم المَنَّ والسَّلوى كُلوا منْ طيّبَات ما رَزقناكُمْ ”
وجاء في المحيط أن “المنّ “: هو كل طلٍّ ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلُو وينعقد عسلاً ويجفّ جفاف الصّمغ كـ “الشرَخُشْت ” و “التَرنْجبين”.
والمعروف بالمنّ ما وقع على شجر البلوط، معتدل، نافع للسعال والصدر والرّئة.
وجاء في مختار الصحاح: “السّلوى ” طائر، والسّلوى أيضاً العسل، و(سلاّه) من همِّه (تسليةً) و(أسْلاهُ) أي كشفه عنه، وقيل: “السُّلوان” دواءُُ يسقاه الحزين فيسْلو. وقال الزَجّاج: المَنُّ كل ما يَمُنُّ الله تعالى به مما لا تعَب فيه ولا نصَبْ.
وجاء في الحديث الشريف: عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“الكمأةُ من المَنِّ، وماؤها شفاءُُ للعين ” -أخرجاه في الصحيحين.
وجاء في زاد المَعاد لابن قيّم الجوزيّة في شرح هذا الحديث ما معناه: الكمأة تكون في الأرض من غير أن تُزرع، وسُمّيت كمأة لـ “استتارها”، ومنه كمأَ الشهادة: إذا ستَرها وأخفاها، والكمأة مختفية تحت الأرض لا ورق لها ولا ساق، وهي ما يوجد في الربيع، وتؤكل نيئة ومطبوخة، وتسمّيها العرب: نبات الرّعد، لأنها تكثر بكثرته، وتنفطر عنها الأرض.
وهي من أطعمة أهل البوادي وتكثر بأرض العرب، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء، والاكتحال بها نافعُُ من ظلمة البصر والرّمد الحاد.
وقوله صلى الله عليه وسلم “الكمأةُ من المَنّ “. والمنُّ الذي أنزل على بني إسرائيل إذن لم يكن هذا الحلو فقط، بل أشياء كثيرة مَنّ الله عليهم بها: من النبات الذي يوجد عفواً من غير صنعة ولا علاج ولاحرْث. فإنَّ “المنّ ” مصدر بمعنى المفعول، أي ممنونُُ به. فكل ما رزقه الله العبدَ عفواً بغيرِ كسبٍ منه ولا علاج فهو من “مَنِّ ” الله تعالى عليه: لأنه لم يَشُبْه كسبُ العبد، ولم يكدرْه تعب العمل. فهو مَنُُّ محض: وإن كانت سائر نعمه منّاً منه على عبده فخص منها ما لا كسب له فيه ولا صُنعَ، باسم المن: فإنه (منُُّ) بلا واسطة العبد. وجعل سبحانه قوتهم بالتيه: الكمأة، وهي تقوم مقام الخبز. وجعل أُدمهم: السلوى، وهو يقوم مقام اللحم. وجعل حلواهم: الطّل الذي ينزل على الأشجار، وهو يقوم لهم مقام الحلوى، فكمُل عيشهم. وتأمل قوله صلى الله عليه وسلّم: “الكمأة من المَنّ الذي أَنزل الله على بني إسرائيل” فجعلها من جملته وفرداً من أفراده. و”الترنْجبين” – الذي ينزل على الأشجار- نوع من المَنّ، ثمّ غلُب استعمال المنِّ عليه عرفاً حادثاً.
وقوله صلى الله عليه وسلّم في الكمأة: “وماؤها شفاءُُ للعين” فيه قولان:
(أحدهما): أن ماؤها يُخلط في الأدوية التي تعالج بها العين، أي لأنه لا يستعمل وحده. (ذكره أبو عبيد).
(الثاني): أنه يستعمل بحْتاً بعد شيّها، واستقطار مائها. لأن النار تلطفه وتنضجه، وتُذيب فضلاته ورطوبته المؤذية ويبقى النافع.
وقال الغافقيُّ: “ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين: إذا عُجن به الإثمد واكتُحل به، ويقوي أجفانها، ويزيد القوة الباصرة قوةً وحدّةً ويدفع عنها نزول النوازل”.
فإذا كان كلّ نبات وُجد عفواً بدون صنعةٍ ولا حرْثٍ فهو “منُُّ” من الله سبحانه وتعالى لعبده، ومنها الكمأة. إلا أن الكمأة وهي نوع من أنواع الفطور غنية بالبروتين فقيرة جداً بالسكريات والنشويات- فهل تعتبر درنات حبّ العزيز، وهي تنبت كذلك عفواً بالأراضي الرملية القليلة المياه، نوعاً من أنواع المنّ الذي أرسله الله سبحانه وتعالى لبني إسرائيل، وما هي قيمته الغذائية ياترى؟؟.
تسمّى درنات حبّ العزيز Chufa nut ولها تسميات عديدة منها:
Rush nut , Earth almond , Earth nut , Tigor nut
وتسمّى باليونانية العامية Mana ولعلها مشتقة من المنّ كما أخبرني بذلك الدكتور أنسطاسي نِقولا ميخالينوس أستاذ الصناعات الغذائية بكلية زراعة عين شمس ومدير عام مصنع النشاء والغلوكوز في القاهرة عام 1966، وكان قد أهداني بحثاً حول فصل النشاء من درنات حبّ العزيز حيث بيّن في بحثه أن درنات حبّ العزيز أحد المصادر الغنية للنشاء حيث تحتوي تقريباً على ضعف كمية النشاء الموجودة في البطاطا.
وإضافة لذلك فهي تحتوي على كمية من السكروز أعلى مما يحتوي الشمندر السكري وعلى كمية من الدهون أعلى مما تحتوي بذرة القطن. كما يظهر ذلك من الجدول التالى:
المكونات النسبة المئوية %
رطوبة : 7 – 8
نشاء : 25 – 39
سكروز : 15 – 20
زيت : 20 – 27
بروتين : 1 – 4
ألياف : 4 – 5
سكريات خماسية : 1
رماد : 2
هل يمكن زراعة حبّ العزيز؟
حبّ العزيز محصول قديم أصبح الآن يزرع في المناطق الحارّة والمتوسطة والمعتدلة، وينتشر في حوض البحر الأبيض المتوسط خصوصاً في إسبانيا والجزائر ومصر وذلك في الأراضي الرملية التي لاتصلح لمحاصيل أخرى.
الوصف النباتي
نبات معمّر من العائلة السعدية Cyperaceae يصل طوله ما بين (30-65) سم وله ريزومة متفرعة تكوّن درنات مختلف طولها بين (1-2) سم وسماكتها بين (0.5-1) سم ولها قشرة رفيعة صفراء داكنة، ولحمها أبيض مصفر.
ميعاد الزراعة
محصول صيفي يزرع في شهر آذار (مارس) وأوائل نيسان (أبريل).
الأرض الموافقة
يجود في الأراضي المفككة جيداً الحاوية على الرطوبــــة الكافيـــة وتفضـــل الأراضي الرملية الطمّية (الرسوبية)، ويمكن نموه في الأراضي المحتوية على قليل من ملح الطعام ويظهر ذلك من وجود كلور الصوديوم في تحليل الدرنات الناتجة في مثل هذه الأراضي، ويمكنه النموّ في الأراضي التي يقلّ فيها البوتاسيوم ويستعاض عنه لدرجة ما بالصوديوم، لذلك تنجح زراعته في الأراضي الرملية الساحلية كمناطق الخليج العربي، والاراضي الرملية الداخلية كبادية الشام وصحراء سيناء وغيرها.
الأصناف
يوجد منه البلدي المزروع في القطر المصري ويمتاز بأن درناته صغيرة ولحمها محمرّ، أما الصنف الأجنبي فيمتاز بكبر درناته وبلحمه الفاتح اللون.
طريقة زراعته
يوزع السماد البلدي المتحلل بمعدل 70 م3 للهكتار بانتظام ثمّ تحرث الأرض وتقسم إلى مساكب (1×3-4) م وتزرع الدرنات في حفر على بعد (10) سم تقريباً على أن يوضع في الحفرة الواحدة (1-4) درنات، وتغطى بحوالي (2-4) سم من التراب، ثمّ تروى ريّاً غزيراً.
التّقاوي (البذور)
يحتاج الهكتار حوالي 250 – 300 كغ، ويجب أن تكون التّقاوي جيدة ويمكن أن تبلل بالماء قبل (24-26) ساعة قبل الزراعة.
الري
يحسُن أن يكون غزيراً في باديء الأمر ثمّ يُروى الريّة الثانية بعد (20-30) يوماً، ثمّ يروى كل (7-10) أيام تقريباً ويحتاج إلى (8) ريّات حتى تمام النضج. ويمكن ريّه حتى بالماء المالح المحتوي على نسبة عالية من كلور الصوديوم.
التسميد
لا يسمّد بمصر بأسمدة كيماوية، بل بالبلدي فقط وإن كان بالإمكان تسميده بالأسمدة المركبة K.P.N.
النضج
يعرف باصفرار الأوراق وتحول الدرنات إلى اللون البني الفاتح.
غسل المحصول
تعمل حفرة مفروشة من الجوانب والقاع (بسعف النخيل) عمقها حوالي (1-1.5) م وسعتها (3) م وتوصل بقناة الرّي وتعمل لها طريقة لصرف الماء، ثمّ توضع الدرنات وتغسل مّرة أو اثنتين وترفع وتفرش على خوص النخل ثلاثة أيام حتى تجف وتكون معدة للبيع. وفي إسبانيا تغسل بوضعها في سلال في تيار من الماء الجاري، أو في آلة غسيل خاصة.
ويختلف المحصول من 1500 – 2500 كغ/ للهكتار الواحد.
الأهمية الاقتصادية
أولاً-الدرنات
1-تحمّص وتؤكل كالحمّص والفول وكذلك تؤكل نيئة بعد نقعها في الماء.
2-تعمل منها (سوبيا) وهي نوع من الشراب مفضلة في إسبانيا، وذلك بأن تبلل الدرنات بالماء لبضع ساعات حتى تلين وتنتفخ ثمّ تهرس حتى تتحول إلى عجينة حيث يضاف إليها الماء الدافيء وتقلّب تماماً، ثمّ تصفى بقطعة قماش ويضاف إليها السكر والفانيليا والقرفة وتثلّج وتشرب. وتعمل في مصر بنسبة 1 كغ من حبّ العزيز إلى 5 كغ من الماء، والسكر حسب اللزوم.
وقد يعمل منها نوع من المرطبات بأن تضاف إليها فواكه مسكرة وقشدة Cream وتجمّد بالتبريد.
ويستخرج من الدرنات ما يلي:
1- الزيت، ويستهلك في الأكل ويشبه زيت الزيتون والبندق واللوز في الجودة، ويمتاز بعدم تجمده في درجات الحرارة المنخفضةلارتفاع نسبة الحموض غير المشبعة فيه، كما لا يتأثر بالهواء والضوء والمؤثرات الأخرى مثل غيره من الزيوت، وهو رائق عديم الرائحة ولذلك يستخدم في الأحوال الآتية :
آ – صناعة الروائح العطرية والصابون الجيد.
ب – تشحيم الماكينات الدقيقة كالساعات وآلات القياس وفي صناعة حفظ المواد الغذائية كاللحم والسمك.
ج – يفيد في خلطه مع زيوت الطعام الأخرى ليؤخّر تزنّخها وتأكسدها بالهواء.
2- النشاء والسكروز يوجد النشاء بنسبة (25 -39 ) %، ويمكن استخراج النشاء أو تحضير الكحول والغلوكوز منه. وكذلك يمكن استخراج السكروز الموجود في الدرنات بنسبة 15-20 % أو تحضير الكحول منه.
3- دقيق الدرنات يستعمل في الخبز وهو يحتوي على مواد سكرية ونشوية وزيتية، ويمكن خلطه بدقيق الحبوب الأخرى كالقمح والشعير حيث يزيد من قيمتها الغذائية.
4-بعد استخراج النشاء والسكر والزيت من الدرنات يبقى الكُسْب الذي يفيد في تغذية الحيوانات.
ثانياً- الأوراق
يمكن استعمالها حبالاً لربط الحزم الكبيرة أو تستعمل فراشاً ويمكن بعد تعطينها استخراج ألياف منها.
ولعل هذا البحث يشجّع الباحثين الزراعيين في شتّى الأقطار العربية عامة ووزارتي الزراعة والصناعة في سورية والإمارات العربية والخليج لدراسة إمكانية زراعة حبّ العزيز، وتصنيعه لاستخراج السكر، والنشاء، والزيت منه، وخاصة أن شركة حمص في سوريا تمتلك مصنعاً لإنتاج السكروز من الشمندر السكري، إلى جانب مصنع لعصر واستخراج الزيوت من البذور الزيتية، ومصنع لإنتاج النشاء والغلوكوز من الذرة. أي أننا بمنتج واحد هو درنات حبّ العزيز نزرعها في أراضي رملية فقيرة مالحة شبه جافة نضمن التشغيل والمادة الأولية لمصنع استخراج السكر والزيت والنشاء والغلوكوز.
الباحث
طارق إسماعيل كاخيا
رئيس الجمعية الكيميائية السورية