المقالات »

الكيمياء عند العرب

1 ـ مقدمة :
تتلألأ في تاريخ الأمم والجماعات أعمال ظاهرة باهرة ، ماجدة خالدة تدل على بعد النظر ، وعبقرية البشر . ومن هذه الأعمال في تاريخ أمتنا المجيدة علم الكيمياء بكافة فروعه وأشكاله التجريبية منها والتطبيقية والنظرية والفلسفية والفكرية .
والعلوم عند العرب لم تقتصر بأخبارها وآثارها على عهد دون عهد ، بل هي بوحيها وآثارها وتأثيرها ، لا تزال جارية سارية خلال صفحات الأجيال وعلى ممر العهود والأزمان ، وفي شتى المدن والأمكنة والبلدان . وليست لفتة الجيد منا إلى ماضينا الزاخر بالمآثر والمفاخر رجعة إلى الوراء ، أو عائقاً عن التقدم ، ولكنها لفتة المتبصر المتذكر ، المواصل سيره على سواء السبيل .
فمن ضفاف النيل والأرنط ( العاصي ) ودجلة والفرات , وعلى سواحل البحر العربي والأحمر والأبيض المتوسط , وعلى أطراف الصحاري والبوادي والسهول في اليمن والحجاز وتهامة ونجد والشام والرافدين والكنانة نشأت الحضارة والمدنية وانتقلت منها إلى أوربا الحديثة .
2 ـ تمهيد
لا يجهل أحد أنه في العصر العباسي وفي عهد الخليفة المأمون بالذات انطلقت عبقريات كثيرة بين المسلمين تصنف وتؤلف وتترجم في شتى مجالات العلوم ، ولم تهدأ هذه الحركة حتى لحقتها عصور الضعف والخمول ، وتخلف أمتنا عن ركب التطور العلمي وانكمشوا على أنفسهم ، وامتدت الأيدي
لىسرقة كنوز ثقافة وحضارة أمتنا ، ممثلة في آلاف المخطوطات التي استولى عليها الأوروبيون في غفلة عنا حيث فقدنا الإحساس بقيمة هذه الكنوز في عصور التخلف هذه ففرطنا فيها بثمن بخس .
إن المواجهة اليوم بين امتنا العربية وغيرها من الأمم لم تعد مجرد تعرض وقتي إنما هي مواجهة وصلت إلى مستوى الصراع الحضاري ومحاولة إثبات شخصيتنا العربية الإسلامية .
فان كانت الكيمياء اليوم تفخر بعلماء الغرب فيجب ألا ننسى أن نفخر ” بجابر بن حيان وأبو بكر الرازي وابن سينا والكندي ” وغيرهم كثير ممن أسهموا في دفع عجلة الحضارة الإنسانية ، والذين بقيت مخطوطاتهم مرجعا لعلماء الغرب والشرق حتى القرن الثامن عشر الميلادي وهو القرن الذي برز فيه علماء الغرب . على أن الأهمية الخاصة التي نالها الرازي وجابر , لا تجعلنا ننسى أيضا الإشارة إلى أثر الكثيرين من علماء الصنعة العرب أمثال :
أبو عبد الله محمد الخورارزمي في كتابه : مفاتيح العلوم .
وأبو الحاكم محمد بن عبد الملك الصالحي الخوارزمي في كتابه : عين الصنعة وعون الصناع .
وأبو العباس أحمد بن علي يوسف البوني في كتابه : شمس المعرف ولطائف العوارف .
وأبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد الطغري , الملقب : بعميد الدولة الذي اشتهر عند مؤرخي الأدب بشعره , وصنف كتباً كثيرة في الصنعة.
وزين الدين بن عبد الرحمن بن عمر الدمشقي الجوبري في كتابه : المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار .
وأبو القاسم محمد بن أحمد السماوي العراقي في كتابه : العلم المكتسب في زراعة الذهب .
وغيرهم الكثير الكثير .
وربما بمنشورنا هذا — الذي سنتناول فيه المنجزات العلمية وأساليب البحث والإضافات العلمية التي قاموا بها , واستعراض بعض النظريات العلمية وإقامة بعض البراهين الحديثة على صحتها وخلودها ، وأنها مازالت الأساس الذي بنى عليه الغربيون حضارتهم المعاصرة — أن نوجه طاقة موحية تسرى في شبابنا فتدفعهم إلى الحركة والتقدم .
والدوافع والمبررات التي حفزتني للحديث والكتابة عن : ” الكيمياء عند العرب ” كثيرة منها :

أولا : وضع الكيمائيين العرب في مكانهم الصحيح بين علماء الأمم الأخرى الذين اسهموا في تطور العلوم مع إبراز دورهم في تحقيق النهضة العلمية التي تجني البشرية ثمارها اليانعة .
ثانيا : البحث في تراثنا والكشف عما لم يكشف النقاب عنه بعد .
ثالثا : الرد على مزاعم البعض وافترائهم على علمائنا بأن لا دور لهم في تنمية المعارف الإنسانية . وواجبنا ككيميائيين عرب – أن نتصدى للرد على أمثال هؤلاء مما يدحض مزاعمهم ويفند أسانيدهم .
رابعاً : المقارنة بين الأدوات والأجهزة القديمة التي استخدمها علماء العرب – وبخاصة تلك التي اقتبسهما الغربيون وطوروها – وبين الأجهزة والأدوات التي تستخدم في مخابر الكيمياء الآن بغرض إبراز دور علماء العرب في الابتكار والإبداع .
خامساً : إلقاء الضوء على أسلوب التفكير العلمي الذي اتبعه العرب في تناول المشكلات العلمية مما يسمى ألان المنهج العلمي والذي ينسبها الغرب – ظلما لنفسه .
سادساً : بيان دور الكيميائيين العرب في وضع الأسس والنظريات العلمية التي أعطاها الغربيون أسماء من عندهم وصاغوها في قوالب جديدة ثم نسبوها لأنفسهم .
سابعاً : إعادة النظر فيما سبق أن كتبه الباحثون والمستشرقون وغيرهم ممن لم تتوفر لهم معرفة كافية بعلوم الكيمياء الحديثة . وتصحيح بعض ما جاء في شروحهم مع توضيح بعض النقاط التي استعصى عليهم فهم جوهرها .
في هذا نداء الأعماق الحقيقي وصرخة مدوية لإيقاظ رسالة الإنسان العربي في معانيها الشاملة ومثلها العليا ومطالبها السامية من تفكير علمي ، ودقة في تحري الحقيقة وحماس في العمل الدؤوب وأسلوب علمي سليم مبتكر وضع التجربة أساس العمل ونظريات أولية كانت نواة للعلم الحديث كل هذا في مؤلفات موصلة إلى بيان واضح ، عن ” الكيمياء العربية ” .
وفي هذا المقام اذكر حديثاً جرى بيني وبين دكتور انكليزي في الأدب العربي قال لي فيه : إن أصل كلمة ماجستير هي كلمة مشتقة من العربية حيث كان اساتذة الأندلس يعطون تلاميذهم الذين انهوا دراساتهم عنهم إجازة بحمل العلم , وهذا الطالب يسمى : طالب مجاز , ومنه كلمة ماجستير للدلالة على الشهادة والإجازة الممنوحة له , كلاعب البوكس يدعى بوكسير
ومنشوري هذا عسى أن يكون مساهمة متواضعة في الإخلاص للحق والحقيقة وأنصاف العرب والكشف عن أمجادهم العلمية في القديم والحديث ومنها علم الكيمياء .


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,