المقالات »

بعض كيميائيي العرب

في هذه العجالة رأينا أن نتكلم بما يسمح له المجال عن إثنين فقط ممن ملأت شهرهم الآفاق في الشرق والغرب على مدى قرون عديدة , وكانت لهم بصمتهم في تطوير ليس علم الكيمياء فقط , بل والعلوم الأخرى أيضاً , وهما : جابر بن حيان , وأبو بكر الرازي .
1 – جابر بن حيان
ولد في مدينة طوس أحد مدن إقليم خراسان , سنة مائة وعشرين هجرية ، وعاش إلى عصر المأمون ما يقرب من ثمانين سنة .
واشتهر جابر باشتغاله في العلوم ولا سيما الكيمياء . وله فيها مؤلفات كثيرة ومصنفات مشهورة ضاع معظمها ولم يبق منها غير ثمانين كتاباً ورسالة في المكتبات العامة والخاصة في الشرق والغرب ، وقد ترجم بعض منها إلى اللاتينية , وكان لها أثر كبير وفعال في الغرب ، استقوا منها واعتمدوا عليها . واعترفوا بفضله فقالوا :
* إن جابراً من أكبر العلماء في القرون الوسطى وأعظم علماء عصره .
* إنه كان شخصية فذة ومن أعظم الذين برزوا في ميدان العلم في القرون الوسطى . وكان حجة في الكيمياء لا ينازعه في ذلك منازع . وإليه يعود الفضل لمن جاء بعده على متابعة البحوث عدة قرون فمهدوا بذلك لعصر العلم الحديث .
* كان مشغوفاً بالكيمياء وعالماً فيها بالمعنى الصحيح ، فقد درسها دراسة وافية ووقف على ما أنتجه الذين سبقوه وعلى ما بلغته المعرفة في هذا العلم في زمنه . وجعل الكيمياء تقوم على التجربة والملاحظة والاستنتاج .
* وهو أول من حضّر : حمض الكبريت بتقطيره من الشب وسماه زيت الزاج وهذا عمل عظيم له أهميته الكبرى في تاريخ تقدم الكيمياء والصناعة وكيف لا تكون له أهميته ، وتقدم الحضارة يقاس بما تستهلكه الأمم من هذا الحمض , وحمض النيتريك ( ماء الفضة ) ، والصودا الكاوية ( القلي ) , وماء الذهب ( الماء الملكي ) ، ونترات الفضة ( حجر جهنم ) ، ودرس خصائص مركبات الزئبق واستحضرها ,
* وبحث في السموم ، وله فيها ” كتاب السموم ودفع مضارها ” . ولهذا الكتاب أهمية كبرى وذلك لما له من وثيق العلاقة بالطب والكيمياء . حيث قسم السموم إلى حيوانية ، ونباتية ، وحجرية .
وذكر من السموم الحيوانية : مرارة الأفاعي ومرارة النمر ولسان السلحفاة والضفدع والعقارب .
ومن السموم النباتية : الأفيون والشيلم والحنظل والشوكران .
ومن السموم الحجرية : الزئبق والزرنيخ والزاج .
ويمتاز جابر على غيره من العلماء بكونه في مقدمة الذين عملوا التجارب على أساس علمي ، هو الأساس الذي تسير عليه الآن المصانع والمختبرات .
* ولقد دعا “جابر” إلى الاهتمام بالتجربة وحث على إجرائها مع دقة الملاحظة ، كما دعا إلى التأني وترك العجلة .
* وفق في كثير من العمليات : كالتبخير ، والتقطير والتكليس ، والإذابة ، والتبلور ، والتصعيد ، وغيرها من العمليات الهامة في الكيمياء ، فوصفها وصفاً هو في غاية من الدقة ، وبين الغرض من إجراء كل منها .
ولا شك إن ما قام به جابر في العلم , والطريقة العلمية التي سار عليها في بحوثه وتجاربه قد أحدث أثراً بعيداً في تقدم العلوم وخاصة الكيمياء ، فأصبح بذلك أحد علماء العرب ومن مفاخر الإنسانية ، مما جعل علماء أوروبا أيضاً يعترفون له بالفضل والسبق والنبوغ .

3 – أبو بكر الرازي
ظهر في منتصف القرن التاسع للميلاد واشتهر في الطب والكيمياء والجمع بينهما . وهو في نظر المؤرخين من أعظم أطباء وكيميائيي القرون الوسطى .
قال عنه صاحب الفهرست : ” كان الرازي أوحد دهره وفريد عصره .
كان الرازي منتجاً إلى أبعد حدود الإنتاج ، فقد وضع من المؤلفات ما يزيد على المائتين والعشرين ، ضاع معظمها ولم يبقى منها إلا القليل في بعض مكتبات أوروبا .
ألّف الرازي كتباً قيمة جداً في الطب ، وقد أحدث بعضها أثراً كبيراً في تقدمه وفي طرق المداواة ،
لقد سلك الرازي في تجاربه – كما يتجلى من كتبه – مسلكاً علمياً خالصاً ، وهذا مما جعل لبحوثه في الكيمياء قيمة دفعت بعض الباحثين إلى القول : “إن الرازي مؤسس الكيمياء الحديثة في الشرق والغرب معاً” .
وضع ” الرازي ” كتاباً نفيساً ، هو كتاب : ” سر الأسرار ” ضمنه المنهاج الذي يسير عليه في إجراء تجاربه ، فكان يبتدئ بوصف المواد التي يشتغل بها ، ثم يصف الأدوات والآلات التي يستعملها ، وبعد ذلك يصف الطريقة التي يتبعها في تحضير المركبات .
و “الرازي” من أوائل الذين طبقوا معلوماتهم في الكيمياء على الطب ، ومن الذين ينسبون الشفاء إلى إثارة تفاعلات كيماوية في جسم المريض ، وهو يدل على إلمام تام بخواص هذه المواد وتفاعلاتها بعضها مع بعض .
وله كتاب الأسرار في الكيمياء وكان الكتاب المعول عليه والمعتمد في مدارس أوروبا مدة طويلة

ملاحظة : هذه المقالات عن الكيمياء عند العرب , منقولة بتصرف عن محاضرة لي في المركز الثقافي بمدينة حمص في سورية بمناسبة افتتاح فرع لجمعية العاديات في حمص منذ سنوات .


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,