المقالات »

الكيمياء والعلوم الأخرى عند العرب قبل الإسلام

وهل كان للعرب قبل الإسلام معرفة بالكيمياء والعلوم الأخرى والزراعة والصناعة قبل الإسلام ؟ والجواب نعم ودليلنا في ذلك أشعار العرب , وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , والقرآن الكريم الذي يخاطب العرب بما يعرفونه وبما تستوعبه عقولهم .
يتحدث القرآن عن الأمم السابقة فيقول : ( ارم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ) .
أليس هذا دليل على أن العرب عرفوا فن العمارة والبناء ، وهذا الفن لن يكون إلا بفضل تقدم معرفتهم بالصخور وأنواعها ، والطين والملاط اللازم لربطها ، والأصباغ والألوان اللازمة لدهان جدرانها وسقوفها ، والجص والكلس وخواص الغضار . وأن آثار مدن اليمن القديمة ومنها سد مأرب دليل على هذا ولا تزال مدينة شيبام اليوم في اليمن تعتبر أقدم مدينة ناطحة سحاب في العالم .
وفي معلقة طرفة بن العبد :
كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
القرمد : الآجر . الشيد : الطي بالشيد , وهو الجص
واشتهروا بصناعة الزجاج والفخار , واستعملوا الآنية الزجاجية والفخارية لوضع وتخزين الماء والشراب والطعام . ولعل اللقى الفخارية القديمة أكبر شاهد على ذلك . ومن دليل ذلك أيضاً قوله تعالى : إنه صرح ممرد من قوارير
ومنها قوله تعالى يبين معرفة العرب للعديد من المعادن وطرق صهرها واستخداماتها في آنيتهم وأسلحتهم ودروعهم وفي لجم وسرج خيولهم : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) . وجاء في القرآن الكريم على لسان ذي القرنين قوله : ( آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قالوا انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال أتوني أفرغ عليه قطراً ) . القطر : النحاس الذائب
وخالد بن الوليد يقول : كسرت بيدي ثمانية سيوف يوم مؤتة ولم تثبت بيدي سوى سيف يمانية .
وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مغفر من حديد يقال له الموشح , لأنه وشّح بشبه ( النحاس الأصفر ) . وقاتل صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق نصبه على أهل الطائف .
وعرف العرب الذهب والفضة وطرق استخراجهما وصياغتهما إلى حليً وغير ذلك واستعمالهما كنقد ويؤكد ذلك قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .
وعرف العرب الاكتحال بالاثمد وهذا دليل على معرفتهم بخواص هذا الفلز وطريقة استخراجه وتنقيته . وعرفوا الطيب والمسك واستخراج الزيوت والمياه العطرية من النباتات والحيوانات العطرية . ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صاحب الخير كبائع المسك إن لم يصبك مسكه أصابك رائحته . وصاحب السوء كنافخ الكير إن لم يصبك ناره أصابك دخانه ) .
وعرفوا الجواهر الثمينة الماس والياقوت والعقيق والفيروز والزبرجد.. الخ
وعرفوا التأثير المنشط لبعض النباتات ، فكانوا يقدمون نوى التمر علفاً لإبلهم فتسير بهم مسافات ومسافات . واليوم كشف العلم الحديث أن نوى التمر تحوي نسبة من الكافئين تعادل النسبة الموجود فيها في البن والشاي .
وعرفوا الزئبق وكانوا يسمونه بالرجراج . ومنها قول عنترة :
أراعي نجوم الليل وهي كأنها قوارير فيها زئبق يترجرج
وعرفوا الخمور كانوا يصنعونها من التمر والعنب , يصنعونها في بيوتهم أو يجلبوها من الأندرون وبعلبك ودمشق وقاصر , وهي مدن من بلاد الشام , ودليل ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته :
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمـور الأندرينـا
مشعشعة كأن الحصّى فيها إذا ما الماء خالطـها سخينا
وكأس قد شربـت ببعلبـك وأخرى في دمشق وقاصرينا
هبّ من نومه : إذا استيقظ . الصحن : الطبق العظيم . الصبح : سقي الصبوح . شعشعت الشراب : مزجته بالماء . الحص : الورس نبت له نوار أحمر يشبه الزعفران .
ولكثرة غزواتهم وحروبهم فلا بدَّ من وجود جروح ورضوض وكسور ولا بدَّ من معرفتهم بمعالجة هذه الجروح والرضوض والكسور . فلقد كشف العرب أدوية عديدة من الأعشاب والنباتات الطبية منها : السنامكة والكافور والصندل والراوند والمسك والمرّ والتمر هندي والحنظل وجوز الطيب والقرنفل والقرفة والطيب والنورة .
وكانوا يستعملون السواك من عود الأراك وغيرها رجالاً ونساءً .
ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه رأى فاطمة رضي الله عنها تستاك فغار من السواك لكثرة غيرته عليها فقال :
حظيت يا عود الأراك بثغرها ما خفت يا عود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك ما فاز مني يا سواك سـواك
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك , يذهب الخفر , وينزع البلغم , ويجلوا البصر , ويشد اللثة , ويذهب الخر , ويصلح المعدة ) .
وعرفوا الحناء واستعملوها في صباغ الشعر ولا تزال تستعمل حتى اليوم , ودليل ذلك قول امرئ القيس في معلقته :
كأن دمـاء الهاديـات بنحـره عصـارة حنـاء بشيب مرجّـل
عصارة الشيء : ما خرج منه عند عصره . والترجيل : تسريح الشعر . والمرجل : المسرح بالمشط .
كما عرف العرب الوشم كصفة تجميل وخاصة للنساء والمواد الصباغية له , وعرفوا الدباغة الفاخرة , وصنع القرطاس ( الورق ) الفاخر ودليل ذلك قوله تعالى : ( ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلاّ سحر مبين ) الأنعام .
وفي معلقة طرفة :
لخولـة أطلال ببرقـة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وخدّ كقرطاس الشآمي ومشفر كسبت اليمـاني قـدّه لم يجـرّد
والوشم : غرز ظاهر اليد وغيره بإبرة وحشو المغارز بالكحل أو النقش بالنيلج
المشفر للبعير : بمنزلة الشفة للإنسان . السبت : الجلود البقر المدبوغة
وعرف العرب الكتان وعملية تعطينه وصنع الحبال والأمراس والخيوط والثياب منه , ودليل ذلك : قول إمرئ القيس ففي معلقته المشهورة :
فيالك من ليل كأن نجومه بأمراس كتان إلى صمّ جندل
الأصمّ : الصلب . جندل : الصخرة
وكان العرب يعتقدون أن الثياب المصنوعة من الكتان تبلى إذا نشرت بعد غسلها ليلاً القمر ، أو إذا سار صاحبها في الليالي المقمرة . ولهذا فإن الشاعر العربي عندما عيّره أصحابه بحبيبته الفقيرة ذات الثياب البالية أنشد يقول :
ترى الثياب من الكتان يلمحها نور من البدر أحياناً فيبليـها
فكيف تنكر أن تبلى معاصرها والبدر في كل وقت طالع فيها
وعرفوا الألبسة الحريرية , وعندما جاء الإسلام حرم لبس الحرير والتحلي بالذهب للرجال , وسمح بهما للنساء .
وكان العرب على معرفة بتكنولوجيا النسيج وصباغته ، فقد كانوا يصيغون ثيابهم وشعورهم بالأصبغة التي يستخرجونها من النباتات الطبيعية كالحناء والعصفر والزعفران والأرجوان ولحاء الأشجار والأقحوان وغيرها .
ودليل ذلك : قول عمرو بن كلثوم في معلقته :
كأن ثيابنا منا ومنهم خضبن بأرجوان أو طلينا
ودليل ذلك : قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي يوم الهجرة : نم في فراشي وتسجى ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم .
وقد كان إزاره صلى الله عليه وسلم من نسج اليمن مضرجة بالعصفر .
وباعتبار أنهم كانوا يعيشون في الصحراء حيث لا زرع فكان جل طعامهم يعتمد على التمر والحليب واللحم . ولذا اشتهر العرب بعملية تقديد اللحوم وصناعة الألبان ومشتقاتها من الأجبان والزبد والسمن وغيرها . ومارسوا أيضاً دباغة الجلود , التي استعملوها في أثاث بيوتهم وألبستهم , وقد أهدت قريش للنجاشي في الحبشة جلوداً مدبوغة من إيهاب الكبش من أجل أن يطرد المسلمين الذين هاجروا إليه .
كما عرفوا الدقيق والطحين وفائدة الخميرة للعجين , أليس هذا دليل على معرفتهم بشروط وظروف التخمر لإنتاج خبز جيد ناضج سهل المضغ والهضم.
وكانوا يعتبرون الخميرة رمزاً إلى كثرة الإخصاب والذرية ودوام المحبة بين العروسين ولا زال هذا الاعتقاد سائداً حتى عصرنا الحاضر , ففي كثير من المدن والقرى تلصق العروس على باب عريسها عند دخولها قطعة من الخميرة رمزاً لدوام الزوجية وكثرة الذرية .
كما عرفوا صناعة الحبر وكان يسمى : المداد . ومن ذلك قوله تعالى : ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ).
وكانوا يكتبون قصائدهم ويعلقونها عند الكعبة , ومن هنا جاء تسميتها بالمعلقات.


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,