مقدمة
الإنزيمات ، كما هو معلوم، هي مواد بروتينية توجد في الكائنات الحية وتعمل كعوامل مساعدة لبدء أو تنشيط أوزيادة سرعة التفاعلات الكيميائية الحيوية المختلفة، لذلك تسمى بالعوامل المساعدة الحيويةBiocatalysts، ووجود الإنزيمات في هذه التفاعلات ضروري جداً إذ بغيرها لا يمكن بدؤها أو استمراريتها أو إتمامها.
والإنزيمات عديدة وكثيرة جداً وتختلف عن بعضها تبعاً لنوع التفاعل الذي تدخل فيه، ومن أجل تمييزها عن بعضها البعض اصطلح على إضافة (آز) Ase على آخر الكلمة لاسم المادة التي تتفاعل أو تتأثر بهذا الإنزيم .
فالإنزيمات التي تعمل كعوامل مساعدة في تفاعلات وتفكك النشاء مثلاً تسمى أميلاز AMYLASE حيث أن كلمة Amyl تعني النشاء ولفظ Ase تدل على الإنزيم المحلل للنشاء، وهكذا.
والأميلاز توجد بكثرة في أعضاء جسم الإنسان والحيوان وبعض النباتات بالإضافة إلى أن بعض الكائنات الحية الدقيقة (الخمائر) قادرة على إنتاج إنزيم الأميلاز، ولما كان موضوع تحسين الرغيف هو الموضوع الرئيسي لمعظم الدول المتطورة والنامية، لذا، فإن موضوع استعمال الإنزيمات لتحسين الدقيق نال اهتماماً كبيراً لدى العديد من الأوساط العلمية والاقتصادية حيث تلعب الإنزيمات دوراً في غاية الأهمية في تصنيع الخبز.
ورغم أن الإنزيمات توجد في الدقيق نفسه، وتوجد أيضاً في خميرة العجين، إلا أنه كثيراً ماتضاف إنزيمات إضافية خارجية من أصل ميكرو بيولوجي إلى مختلف أنواع العجين من أجل تحسين المواصفات الرئيسية للخبز والوصول إلى التصنيع الأمثل له.
ومن ميزة هذه الإنزيمات أنه يمكن إضافتها للعجين في المخابز، أو إضافتها للدقيق في مطاحن الحبوب، ولعل من أهم هذه الإنزيمات المضافة إنزيمات الألفا أميلاز Elpha- Amylases وإنزيمات البروتينازProtenases الممكن استخراجها من الفطور والعصيات الدقيقة مثل: Aspergillus aryzae و Bacillus sbtilis وإنزيم Gluco-amylase المستخرج من فطر Aspergillus niger .
استعمال الألفا أميلاز في صناعة الخبز
إن استعمال إنزيم الألفا أميلاز من فطر Aspergillus aryzae في الدقيق شائع جداً ويعود بدء استعماله إلى منتصف هذا القرن، ويمكن شراء هذا الإنزيم وإضافته للدقيق كمركّز بفعالية عالية (بشكل عام 40-50 ألف وحدة/غ) أو بفعاليات أخرى أقل أو تعادل 1/10 أو 1/100 من الفعالية السابقة .
ورغم أن الإنزيمات ذات الفعالية العالية تكون عادة أرخص كثيراً لكل وحدة من االفعالية. لكن من الصعب استعمالها في المخبز لمستوى إضافة 0.5 غ/100 كغ دقيق. ولذلك فإن الإضافة للإنزيمات المركزة تتم عادة في مطاحن الحبوب حيث يتم خلط الإنزيمات المركزة بكمية من الدقيق لتسهيل توزيعها وتجانسها ثم يخلط المزيج المخفف هذا مع كامل كمية الدقيق المراد إضافة الإنزيم لها.
ويحضر إنزيم الألفا أميلاز من المادة التي تحتويه (فطور أو بكتيريا) وذلك بطحنها وتحويلها إلى مسحوق ناعم، يضاف إلى هذا المسحوق محلول كلورالكالسيوم أو خلات الكالسيوم بتركيز (0.002) بمعدل غرام من المسحوق لكل 5 سم3 من المحلول ويترك المزيج لمدة ساعة على درجة 30 م ثم تعدل درجة ال PH إلى 6 وترفع درجة الحرارة إلى 70 م لمدة 15 دقيقة لتثبيط نشاط البيتا أميلاز، ثم يرسب الألفا أميلاز بواسطة الكحول الإيتيلي ويغسل جيداً بالكحول ثم بالأسيتون ثم بالإيتر ثم يجفف تحت ضغط مخلخل (تحت الفراغ).
وقبل الدخول بالتفاصيل حول استعمال وتطبيقات الأميلاز، سنناقش بشيء من الإيجاز عملية صناعة الخبز:
يحضر الخبز، كما نعلم، بتحضير العجين من الطحين ثم معالجته وخبزه حتى
نحصل في النهاية على الرغيف المعروف. والمظهر الخارجي للرغيف يعود إلى انتفاخ غشاء بروتينات الطحين المائية (الغلوتين) بفعل غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من تخمر السكريات (غالباً المالتوز) بتأثيرخميرة الـ Saccharomyces-cerevisiac ، ومن المعلوم أنه إذا حضّر العجين بشكل جيد فإن الخميرة تستمر بإنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون بكثرة خلال فترة التخمر وبشكل خاص خلال المراحل الأخيرة بحيث تكون قادرة على إحداث التمدد اللازم في غشاء عجين غلوتين القمح اللزج لأن الغلوتين كما نعرف قوي ولزج ولذلك، إذا لم تكن كمية غاز الكربون المنطلقة من التخمر كافية كمّاً وضغطاً فإن الأرغفة الناتجة ستكون صغيرة ومغلقة وبالتالي يكون إنتاج الرغيف غير جيد.
ويمكن تلافي هذه العيوب بفضل تزويد العجين أو الطحين بإنزيم الألفا أميلاز، وطبقاً للأبحاث الحديثة ، فإن الطحين المناسب لصناعة الخبز الجيد يجب أن يحتوي على:
2 %سكريات جاهزة للتخمر على الأقل وهذا ما يعادل ويقابل رقم مالتوز 2.3 على الأقل وذلك لمساعدة الخميرة فوراً على النمو والنشاط حيث أنه بعد ساعتين من التخمر فإن هذه السكريات الطبيعية الجاهزة للتخمر والموجودة في الطحين تصبح مستنفذة، إلا أن النشاء المتحلل بواسطة الإنزيمات إلى سكريات بسيطة (مالتوز) يصبح المصدر لغذاء ونمو ونشاط خميرة العجين وبالتالي زيادة في إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون .
ومما لاشك فيه أن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المنطلقة تتوقف على كمية ونوع وتركيز النشاء القابل للتحلل الموجودة في العجين، وعلى قوة ونشاط الخميرة والإنزيمات التي تفرزها، ومن المعلوم أن الحبوب تحتوي على نوعين من الأميلاز: ألفا وبيتا، وتوجد بيتا أميلاز في حبوب القمح بمقادير مقبولة في كافة مراحل نمو حبوب القمح، وعند وجود نسبة كافية من الرطوبة في حبوب القمح فإن بيتا أميلاز تقوم بتحطيم روابط المالتوز غير المرجعة في جزيئات النشاء، أما الألفا أميلاز فإنها غير موجودة في الحبوب السليمة بصورة عامة ولكنها موجودة في الحبوب المنتشة بنسبة لا بأس بها، ومن الملاحظ بأن جزيئات نشاء القمح إذا لم تتحطم جيداً أثناء عمليات الطحن فإن الطحين بعد ذلك لن يقبل إلا كمية قليلة من الماء غير كافية لمساعدة الخميرة ببدء نشاطها وفعاليتها وهذا ما يحدث أحياناً في أنواع الحبوب القاسية ، أما إذا كان الطحن جيداً فإن جزيئات النشاء يمكن أن تمتص كمية كبيرة من الماء تساعد على بدء فعالية الخميرة ونشاطها، حيث يبدأ البيتا أميلاز الموجود في الدقيق بتحطيم سلاسل النشاء الطرفية غير المرجعة إلى مالتوز ويقوم إنزيم المالتاز الذي تفرزه الخميرة بتحويل كل جزيء مالتوز إلى جزيئين من الغلوكوز ويستمر نشاط الخميرة بالتغذية على الغلوكوز وإطلاق غاز الكربون.
وعند إنتاج الخبز بصورة غير آلية وغير مستمرة فإنه من السهولة السيطرة على تخمر العجين لأن الفران اعتاد أن يخمر عجينه بإعطائه درجة حرارة معينة، خلال زمن ثابت، ومع إضافة كمية معينة ثابتة من الخميرة اعتاد أن يضيفها، ثابتة في قوة تخمرها ونشاطها بالنسبة له، وهو لا يقوم بتقطيع العجين وخبزه عادة إلا بعد أن يكون العجين قد اختمر جيداً مستخدماً بذلك خبرته ومهارته للاستدلال على جودة تخمر العجين، ولكن المشكلة تظهر عند إنتاج الخبز بصورة آلية، لأننا نريد للرغيف في هذه الحالة أن لا يدخل إلى النار إلا ويكون قد تخمر جيداً، ولذلك يجب أن تكون الفترة بين عجن الدقيق وخبزه كافية لإحداث التخمر الكافي واللازم وهذا لن يكون إلا باستعمال كميات معينة من الخميرة والإنزيمات الكافية لإحداث التخمر للدقيق في الفترة بين عجنه وخبزه، وهذا لن يكون أيضاً إلا بوجود نسبة معينة من النتروجين (أملاح الأمونيوم عادة، أو الحموض الأمينية) أو السكريات القابلة للتخمر السريع لتغذية الخميرة وتنشيط عملها، وبدون وجود النيتروجين اللازم والسكريات القابلة للتخمر فإن الخميرة لن تعمل وبالتالي لن يكون هناك انطلاق لغاز الكربون ولن يحدث تكسر لسلاسل النشاء إلى دكسترنيات بسيطة وبالتالي إنتاج رغيف ضامر غير منتفخ، شاحب اللون، غير جيد شكلاً وطعماً .
ولهذا تشترط كثير من الدول في مواصفاتها القياسية إضافة السكريات إلى العجين لغايات عديدة: أهمها إضفاء الرائحة والمظهر المقبولين إضافة إلى تنشيط الخميرة في عملها، وكذلك تشترط إضافة إنزيم الألفا- أميلاز الذي يعطي إنتاجاً فورياً في تشكل الغاز وتحطيم جزيئات النشاء إلى سكريات أبسط، ويساعد إنزيم البيتا أميلاز في عمله والموجود أصلاً في الدقيق بكمية كافية، ومن المعلوم أن هناك عوامل عديدة تؤثر على نشاط الأميلاز منها:
1- نوع الأميلاز ومصدره، هل هو أصلاً من الحبوب أو من مصدر فطري أو بكتيري؟
2-درجة الـ PH ودرجة الحرارة ومدة التخمر، لأن الأميلاز تفقد نشاطها كلياً في درجة حرارة 100 م أو إذا وجدت في وسط حمضي أوقلوي.
3- تركيز النشاء الموجود في الوسط.
4- نسبة السكريات القابلة للتخمر الموجودة قي الوسط.
5- وجود بعض الأملاح المعدنية، حيث تعمل على زيادة أو تقليل نشاطها، ويتوقف ذلك على نوع الأميلاز، فأملاح الكالسيوم مثلاً تزيد في نشاط الألفا أميلاز في حين أنها تقلل من نشاط البيتا أميلاز.
وعند إدخال قطعة العجين إلى الفرن يجب أن تكون متخمرة بشكل جيد ومليئة بالغاز، ويلاحظ أنه عندما يدخل الرغيف إلى الفرن فإن السطح الخارجي له يبدأ فوراً بتشكيل قشرة وينضج تدريجياً من الخارج إلى الداخل وتبدأ فعالية الخميرة بالإنخفاض تدريجياً كذلك من الخارج إلى الداخل حتى تموت، وهذا يعني أن الديكسترينات والسكريات المتشكلة بفعل الإنزيمات ستبقى في الخبز النهائي، وكلما كانت كمية الديكسترينات الصمغية القوام كبيرة كلما كان الخبز الناتج متلبداً صعب المضغ فيما بعد.
ومن ميزة الألفا أميلاز الفطرية المصدر أنها تحول النشاء إلى سكريات أبسط من الديكسترينات، ولذلك يكون الخبز الناتج سهل المضغ جيد الطعم ويبقى طازجاً لعدة أيام حيث تزول من الخبز ظاهرة العشم أو ظاهرة نكوص النشاء والديكسترينات وهي الظاهرة التي نشاهدها في معظم خبز البلدان العربية حيث يصبح الخبز غير مستساغ للأكل في اليوم التالي من إنتاجه، وهذا ليس بسبب جفافه لأنه يعود طرياً عند تسخينه، ولكن بسبب التغيير والتشـــابك في البنيـــة الداخليــــــة لجزيئات النشاء والديكسترين التي تتفكك بالحرارة، وتعود للتشابك ثانية إذا بردت قطعة الخبز.
الإنزيمات الأخرى المستعملة لتحسين نوعية الخبز
1- كما ذكرنا سابقاً فإن الإنزيم الذي يستعمل بشكل واسع هو ألفا أميلاز الفطري. ولكن لو كان غلوتين القمح قوياً فإنّ ذلك سيسبب تقلصاً للرغيف وبالتالي تصغير حجمه. ومن الممكن تلافي هذا العيب بإضافة إنزيم البروتيناز الفطري الذي يسبب تحلل البروتين وتطريته وبالتالي إنتاج رغيف أفضل، وإضافة هذا الإنزيم شائعة في الولايات المتحدة الأميركية على عكس البلاد الأوربية التي تستعمل القمح الطري ولا تعاني كثيراً من هذه المشكلة، ورغم أنّ معظم الإنزيمات التجارية تحتوي على نسب قليلة جداً من الإنزيمات الأخرى (فمثلاً إنزيم الأميلاز الفطري يحتوي على نسبة ضئيلة من البروتيناز) إلاّ أنه من الضروري إضافة نسبة أخرى كافية من إنزيم البروتيناز في حالة كون غلوتين القمح قوياً وقاسياً.
2-كما أنّ تأثير الحرارة على فعالية إنزيم الألفا أميلاز البكتيري المستخرج من Bacillus subtilis يختلف تماماً عن تأثيرها على فعّالية الألفا أميلاز الفطري ويستعمل كلّ منهما لأغراض مختلفة. فمن المعلوم أنّ إنزيم الألفا أميلاز البكتيري يبقى فعّالاً حتى في درجات حرارة تصل إلى 90-100 مبينما تكون فعّالية إنزيم الألفا أميلاز الفطري قد توقفت قبل ذلك بكثير.. ولذلك فإنّه عند إضافة إنزيم الألفا أميلاز الفطري للعجين، عند إنتاج أنواع معينة من الخبز، يجب أن تكون كمية هذه الإضافة محسوبة بدقة تجنباً للعيوب التي ربما تظهر على قطعة الخبز وذلك طبقاً لشكل الخبز وإجراءات المخبز.
3- وهناك إنزيمان آخران يستعملان على نطاق واسع لتحسين نوعية الخبز هما: Gluco -amylase وLipoxygynase. حيث يقوم إنزيم Gluco- amylase بتحطيم وتحلل كلا الروابط 1-4 و1-6 في جزيء الأميلوبكتين محرراً بذلك الغلوكوز، ولذلك نستغني عن إضافة السكريات للعجين حين إضافة هذا الإنزيم. ويستحصل على هذا الإنزيم من تخمر الـ Aspergillus niger، أما الإنزيم الآخر Lipoxy genase ذو المصدر النباتي فقد وجد في دقيق الصويا ويستعمل في العجين لإعطاء خبز أبيض.
4- وأخيراً دخلت تطبيقات الإنزيمات أيضاً وخاصة البروتيناز في صناعة البسكويت لأنّ دقيق القمح، كما نعلم وبسبب وجود الغلوتين القوي، يكون غير مناسب لصناعة البسكويت الذي يجب أن تمتاز قطعته (أي البسكويت) بحجم دائري معين وخاصة البسكويت المغطى بالشيكولاه، ولذلك يفضل إضافة إنزيم البروتيناز من Baeillus subtilis في كثير من الأحيان على استعمال مادة صوديوم ميتابيسفيت Sodium meta bisulphite أو استعمال الإثنين معاً وبشكل دقيق ومعلوم حسب نوعية غلوتين القمح المستعمل ونوعية البسكويت المنتج.
خلاصة البحث:
تلعب الإنزيمات دوراً هاماً في صناعة الخبز، ورغم أن تطبيقات إنزيمات الأميلاز الفطرية لم تدخل إلاّ منذ زمن قصير في هذا المجال، إلاّ أنها تطورت تطوراً كبيراً وسريعاً وخاصة عندما تطورت صناعة إنتاج الخبز إلى الطريقة المستمرة والآلية.
وهذا ما يدعونا إلى إيجاد طرق مواصفات قياسية عربية لبيان محتوى الدقيق من الإنزيمات الطبيعية، وتحديد الكميات الواجب إضافتها من الإنزيمات الأخرى (للدقيق في المطحنة أو للعجين في المخبز) بغية إنتاج خبز ورغيف جيدين حسب مواصفات قياسية عربية موضوعة للخبز والرغيف.
المقالات »