المقالات »

ولاة حمص أيام الخلفاء الراشدين

ولاة حمص أيام الخلفاء الراشدين
الوالي الثاني : عبادة بن الصامت الخزرجي الأنصاري

نسبه : هو عبادة بن الصامت بن قيس ابن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف ابن الخزرج من القوافلة ، ويكنى أبا الوليد , صحابي من الموصوفين بالورع والتقوى . روي حوالي مائة وواحد وثمانين حديثا .
وأمه : قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم من الأنصار ،
وزوجته : أم حرام بنت ملحان التي توفيت في قبرص وضريحها بالقرب من مسجد لارنكا الكبير
أخوه : أوس بن الصامت زوج خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( سورة المجادلة ، الآية 1)
أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا أبو حزرة يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه قال : كان عبادة بن الصامت رجلاً طوالاً جسيماً جميلاً .
وعبادة بن الصامت أحد زعماء الأنصار الذين اتخذهم الرسول نقباء على أهليهم وعشائرهم ..
فحينما جاء وفد الأنصار الأول إلى مكة ليبايع الرسول ﷺ على الإسلام تلك البيعة المشهورة ببيعة العقبة الأولى , كان ” عبادة ” رضي الله عنه ، أحد الاثني عشر مؤمناً ، الذين سارعوا إلى الإسلام ، وبسطوا أيمانهم إلى رسول الله ﷺ مبايعين ، وشدوا على يمينه مؤازرين .
وحينما كان موسم الحج في العام التالي يشهد ” بيعة العقبة الثانية ” يبايعها وفد الأنصار الثاني ، مكوناً من سبعين مؤمناً ومؤمنة ، كان ” عبادة ” أيضاً من زعماء الوفد ونقباءه .. وآخى رسول الله بينه وبين أبي مرثد الغنوي .
وفيما بعد ، والمشاهد تتوالى .. ومواقف التضحية والبذل ، والفداء تتابع ، كان عبادة هناك لم يتخلف عن مشهد ، ولم يبخل بتضحية .. فقد وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ وولاءه لله ورسوله دائما وأبدا .
كانت قبيلة ” عبادة ” مرتبطة بحلف قديم مع يهود بني قينقاع بالمدينة .. ومنذ هاجر الرسول وأصحابه إلى المدينة ، ويهودها يتظاهرون بمسالمته .. حتى كانت الأيام التي تعقب غزوة بدر وتسبق غزوة أحد ، فشرع يهود المدينة يتنمرون .. وافتعلت إحدى قبائلهم ـ بنو قينقاع ـ أسباباً للفتنة على المسلمين .. ولا يكاد ” عبادة ” يرى موقفهما هذا ، حتى ينبذ إليهم عهدهم ويفسخ حلفهم قائلاً : إنما أتولى الله ، ورسوله ، والمؤمنين … فيتنزل القرآن محيياً موقفه وولاءه ، قائلاً في آياته : ومن يتول الله ورسوله ؛ والذين آمنوا ، فإن حزب الله هم الغالبون .. وهكذا ، فإن الرجل الذي نزلت هذه الآية الكريمة تحيي موقفه وتشيد بولائه وإيمانه ، لن يظل مجرد نقيب من نقباء الأنصار في المدينة ، بل سيصير نقيباً من نقباء الدين الذي ستزوى له أقطار الأرض جميعاً . رائداً من رواد الإسلام وإماماً من أئمة المسلمين يخفق اسمه كالراية في معظم أقطار الأرض ـ لا في جيل ، ـ بل إلى ما شاء الله من أجيال .. ومن أزمان .. ومن آماد ..!!
قال النووي : استعمل النبي ﷺ عبادة على الصدقات وكان يعلم أهل الصفة القرآن . ولما فتحت الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذاً وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن بالشام فأقام عبادة بحمص ومعاذ بفلسطين وأبو الدرداء بدمشق .
قال محمد بن كعب القرظي : جمع القرآن زمن النبي خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبي بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو الدرداء .
حين أراد عمر بن الخطاب أن يصف عبادة بن الصامت قال : عبادة بن الصامت رجل يعد في الرجال بألف رجل . قال عنه ابن الخطاب هذه العبارة حين أرسله مدداً لـعمرو بن العاص في فتح مصر،
وذكر خليفة أن أبا عبيدة ولاه إمرة حمص ثم صرفه وولى مكانه عبد الله بن قرط . ولعبادة قصص متعددة مع معاوية وإنكاره عليه أشياء كان يقوم بها ، وفي بعضها رجوع معاوية إلى آرائه مما يدل على أصالته في فهم الدين وقيامه في الأمر بالمعروف .
ونقل صاحب الرياض النضرة عن عبادة ومعاوية الحادثة التالية :
إن معاوية لما غزا جزيرة قبرص ، كان معه عبادة بن الصامت ، فلما فتحوا الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه إلى عثمان ، وجلس يقسم الباقي بين جنده . وجلس جماعة من أصحاب النبي ﷺ ناحية , منهم عبادة وآخرون . فقال لمعاوية : اتقِ الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعطِ منها أحداً أكثر من حقه ، فقال له معاوية : قد وليتك قسمة الغنائم ، ليس بالشام أحد أفضل منك ، فاقسمها بين أهلها واتقِ الله فيها , فقسمها عبادة وأعانه على ذلك أبو الدرداء وأبو إمامة .
وقف مرة في الشام خطيباً بعظ الناس فقال : يا أيها الناس : بايعنا رسول الله ﷺ على أن نقول الحق وألا نخاف في الله لومة لائم .
عنِ ابنِ عمه عبادة بنِ الوليد ، قال : كان عبادة بن الصامت مع معاوِية ، فأذن يوماً ، فقام خطيب يمدح معاوِية ، ويثني عليه ، فقام عبادة بتراب في يده ، فحشاه في فمِ الخطيب ، فغضب معاوِية
فقال له عبادة : إِنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول ﷺ بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، ومكسلنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازِع الأمر أهله ، وأن نقوم بالحقِ حيث كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم ٍ، وقال رسول الله ﷺ : ” إِذا رأَيتم المداحين ، فاحثوا في أفواههِم التراب “.
وروى أن عبادة بن الصامت مرت عليه قِطَارَة – وهو بالشام – تحمل الخمر، فقال: ما هذه ؟ أزيت ؟ قيل : لا ، بل خمر يباع لفلان .
فأخذ شفرة من السُّوْقِ ، فقام إِليها ، فلم يذر فيها راوِية إِلا بَقَرَهَا – وأبو هريرة إِذ ذاك بالشام – فأرسل معاوية إِلى أبي هريرة ، قالا : ألا تمسك عنا أخاك عبادة ، ، يغدو إِلى السُّوْقِ يفسد على أهلِ الذمة متاجرهم ، وبالعشيِ يقعد في المسجد ليس له عمل إِلا شتمنا وعيبنا! قال: فأتاه أبو هريرة ، فقال : يا عبادة ، ما لك ولمعاوِية ؟ ذره وما حُمِّلَ .
فقال : لم تكن معنا إِذ بايعنا على السمع والطاعة ، والأمرِ بالمعروف ، والنهي عنِ المنكرِ، وألا يأخذنا في الله لومة لائمٍ . فسكت أبو هريرة .
روى أن عبادة بن الصامت مر بقرية دُمَّرٍ ، فأمر غلامه أن يقطع له سواكاً من صَفْصَافٍ على نهرِ بَرَدَى ، فمضى ليفعل ، ثم قال له : ارجع ، فإِنه إِن لا يكن بثمن ، فإِنه ييبس، فيعود حطباً بثمن.
وفاته : توفى سنة أربع وثلاثين للهجرة وهو ابن اثني وسبعين عاما ودفن بالقدس الشريف في بقيع الرحمة الملاصق للباب الذهبي وكان طويلاً جسيماً جميلاً.
من كتاب لي مع الأستاذ الباحث فيصل شيخاني رحمه الله لايزال مخطوطاً بعنوان :
{ الإصابة بمن نزل بحمص الشام من الصحابة }


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

,