* مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى وَرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ لَنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا أياماً نتَعَرَّضَ فيها لِنَفَحَاتِ اللهِ تعالى , ونَتَزَوَّدُ فِيهَا بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ، وَنمْحُو مِنْ قُلُوبِنَا المَرِيضَةِ التي زَاغُت : آثَارَ الذُّنُوبِ وَالغَفَلَاتِ والمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ , وظُلْمَةِ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ وَالكَرَاهِيَةِ , والبعِدَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَا هَذِهِ الأَزْمَات والمحن والكروب والأبئة التي تَمُرُّ فِيهَا بِلَادُ العالم كلها إِلَّا نَتِيجَةِ هَذِهِ القُلُوبِ التي زَاغَت عَنِ الحَقِّ حيث تحقق بها قَولَه تعالى : ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ . وَقَولَه تعالى : ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَاُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ .
* وكل رسول أرسله الله لقومه خاصة , إلا رسول الاسلام محمد بن عبد الله ﷺ فقد أرسله الله سبحانه وتعالى سبحانه وتعالى للناس كافة رحمة بهم وشفقة عليهم , قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ , سورة الأنبياء 107 . فهل أنزلنا الرحمة والسكينة والإطمئنان في قلوبنا , وقلوب خلق الله أجمعين ؟ , وهل أمنت الجنوب في المضاجع ؟ , وهل نامت العيون ملئ جفونها ؟ , وهل شبعت البطون الجائعة ؟ .والله سبحانه وتعالى يمنّ على قريش بقوله : ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ .
* عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ﴿ إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدَاً ﴾ . رواه الطَّبَرَانِيُّ .
* ومِنْ هَذِهِ اليام والليالي , لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ . التي قال عنها رسول الله ﷺ : ﴿ إذا كانت ليلة النصف من شعبان . فقوموا ليلها . وصوموا يومها , فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول : ” ألا من مستغفر فاغفر له . ألا من مسترزق فأرزقه ، ألا من مبتلي فأعافيه . ألا كذا .. ألا كذا .. حتى يطلع الفجر ﴾ . رواه ابن ماجة :
* وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال : ﴿ أتاني جبريل عليه السلام فقال : هَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَللهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ ، ولَا يَنْظُرُ اللهُ فِيهَا إِلَى مُـشْرِكٍ ، وَلَا إِلَى مُشَاحِنٍ ، وَلَا إِلَى قَاطِعِ رَحِمٍ ، وَلَا إِلَى مُسْبِلٍ ، وَلَا إِلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ ، وَلَا إِلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ ﴾ . رواه البيهقي .
* ولهذه الليلة أهمية خاصّة في الإسلام عدى عما ذكرنا كله ، لأنه تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة المكرمة – بالعام الثاني من الهجرة – , فعلينا أن نحيها بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن والدعاء .
من أسمائها : ليلة الإجابة . ليلة البراءة . ليلة الدعاء . ليلة الشفاعة . ليلة الغفران . ليلة العتق من النيران . الليلة المباركة . ليلة عيد الملائكة . ليلة التكفير . ليلة الحياة . ليلة القسمة والتقدير .
* وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب إحياء ليلة النصف من شعبان لأنها تكفر ذنوب السنة , كما أن ليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع , و إحياء ليلة القدر تكفر ذنوب العمر، وهي من الليالي الخمس التي لا يرد فيهن الدعاء : لما رواه إسماعيل الأصبهاني في “الترغيب والترهيب” من حديث معاذ بن جبل. ﴿ من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة : ليلة التروية , وليلة عرفة , وليلة النحر , وليلة الفطر , وليلة النصف من شعبان ﴾
* قال الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم : ينبغي للمؤمن أن يتفرغ تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدّم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب .
* وبحسب رأي بعض الأئمة بأن الأحاديث الواردة في فضل هذه الليلة بعضها صحيح ، وبعضها ضعيف . ولكن حتى الضعيف منها فيعمل به لأنه من فضائل الأعمال . فقد قالوا :
قـــم لـيـلة الــنـصف الشـريـف مـصـلـيـاً = فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه
فكم من فتى قد بات في النصف آمناً = وقــد نسخـت فــيه صحيفــة حتفه
فــبـادر بـفـعــل الـخـيــر قــبـل انــقــضـاءه = وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه
وصــم يــومــه لله وأحــسـن رجــاءه = لـــتــظـفـر عــنـد الــكــرب منه بلطفه
* وجاء في روايات أهل الشيعة أن من بركة هذه الليلة , أن فيها ولادة وظهور المهدي المنتظر : محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , الإمام الثاني عشر , الذي سيأتي « ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا » . حيث ولد في 15 / 08 / 255 هــجري , الموافق لــــ 29 / 07 / 869 ميلادي , حيث يحتفلون ابتهاجاً بذلك .
* ويعتقد الشيعة أنه على الإنسان أن يكون دائما مستعد لظهور الإمام بالبعد عن المعاصي وترقية النفس عن الدنيا والحفاظ على الصلوات والصيام ونشر علوم أهل البيت . وأن يدعو الله دائما بتعجيل الفرج وخصوصا حين يرى الظلم قد استشرى أو الفساد قد عم .
اللهم اغفر لنا وارزقنا وعافنا واعفو عنا وفرج عنا وارفع البلاء عنا وارحمنا , يا أرحم الراحمين يارب ياالله .