المقالات »

حكايتي مع شيخ الكيميائيين (الأستاذ محمد فيصل شيخاني)

حكايتي مع شيخ الكيميائيين العرب الأستاذ طارق كاخيا
بقلم الأستاذ محمد فيصل شيخاني عضو مجلس إدارة الجمعية التاريخية
في كتابه رجل من بلدي الذي يتحدث فيه عن طارق كاخيا
منذ التقيت مع طارق كاخيا رئيس الجمعية الكيميائية من عدة سنين فوجدت فيه شخصاً متميزاً يختلف عن بقية أعضاء الجمعية الكيميائية وعن أعضاء الجمعية التاريخية التي تتشارك في نفس البناء . فهذا الرجل جمع بين المعلومات التاريخية والكيميائية ، وهو إلى هذا كشف بدون أن يشعر على أنه من أصحاب أقوال علماء العرب القدامى : [ يأخذ من كل علم بطرف ] .
زد على ذلك تلك المرونة المحببة بالتعامل مع الجميع , ومن المرة الأولى وبكل بسهولة وبدون تكلف تشعر كأنك تعرفه من زمن بعيد , وانتسب لجمعيتنا التاريخية عضواً مؤازر نشيطاً , وفي لحظة سعيدة أقيمت محاضرة مشتركة بين الجمعيتين : الكيميائية والتاريخية بعنوان دور الكيمياء من الكشف عن الآثار التاريخية وحفظها , لمن ؟ للأستاذ طارق كاخيا ، فسررت مع أعضاء الجمعية التاريخية بمحاضرته وبلقائه . تجددت اللقاءات وتجددت الأبحاث وتجددت النشاطات والاستقبالات وأهمها التعاون المثمر بين الجمعيتين وأعضائهما . وباعتباري أمين متحف الآثار الإسلامية الذي استلمته بعد تقاعدي من التربية فقد أسعدت باستقباله مع الضيوف العرب العاملين في حقل الكيمياء , في متحف الآثار وقد جاءوا لتكريمه وللاستفادة آنذاك من الثقة الكبيرة بين الجمعيات والنقابات الكيماوية العربية وبخاصة بالثقة نحو الأخ طارق , كان كل الضيوف يتصلون به يمازحونه ويستفسرون منه عن كل صغيرة وكبيرة . تكررت اللقاءات والاجتماعات . وأخذت الصور التذكارية مع الجميع وبخاصة مع صديق الجميع لماذا ؟ لأنهم يحتفلون بتكريمه كعضو معاون ومؤازر لكل مشروع كيماوي من كل قطر عربي .
شراكة كتاب
في تلك الأثناء وقبلها كنت أهيئ لعمل كتاب يتضمن النشاطات الاقتصادية بحمص
وجدت العمل كبيراً ويحتاج لجهود كبيرة ولا بد من شريك , وجدت بغيتي في الأستاذ طارق الذي سارع بالموافقة على الفكرة وأصدرنا كتابا تحت عنوان: تاريخ حمص في القرن العشرين
وكان هذا مفتاحاً لي لتأليف كتاب في حياة هذا الرجل المعجزة تحت عنوان : رحل من بلدي
لم أحاول أن أذكر في الكتاب كل ما يخص أبا زياد فهذا يحتاج لمجلدات , بل المهم أن آتي على بعض أعماله البارزة أو المؤثرة ، وليس هدفي من ذلك كيل الثناء له بل تمثيله نبراساً حياً لأبنائنا ، ولكل من يهوى سير الكفاح والنضال والبناء للشخصية . بدا طارق رجلاً لا يولد مثله إلا في النادر من اللحظات السعيدة من تاريخ أمتنا. فهو يعد من القلة في هذه المدينة الذين خلقوا ليفيدوا وطنهم ومجتمعهم وأسرتهم ومعارفهم .
لقد عرف طارق مكانته منذ الصغر فانطلق غير هياب ولا وجل في دنيا العراك والدراسة والفهم والإنشاء . وكان له نفس التقدير لدى والديه ثم لدى أنجاله وبناته وأحفاده وزوجته من خلال هذه التعبيرات الجميلة لهم عن رجلهم الباني والعالم والصناعي والكاتب الجزيل الفائدة .
إن هذا الكتاب ليست إطراء لبطل نجح في تحقيق آماله العلمية بل لنذكر تحقيق آماله العلمية ومزجها بالناحية الروحية والاجتماعية لكل من المحيطين به من بني قومه سواء في ديار الغربة أو في أي صقع من ديار العروبة .
معظم الباحثين عن شخصية ما يقومون بالكتابة عن هذه الشخصية بعد وفاتها بزمن طويل . فتضيع المعالم وتنسى الذكريات وتفقد الأعمال . فيلجأ الباحث هنا وهناك ليجمع أخبار من يقوم بدراسة حياته . لذا رأيت بعد أن كتبت عن أستاذنا الكبير راغب الجمالي بعد وفاته , أن أكتب عن شخصية فذة حية تسير بين ظهرانينا نستمد منها المعاني الفاضلة والعلم الغزير , إنه الكيميائي العلامة : شيخ الكيميائيين العرب طارق إسماعيل كاخيا.
قصة طارق إسماعيل كاخيا قصة رجل عالم جليل ناجح ومبتكر ونموذج لكل شاب ورجل يتطلع إلى العلياء ولرفع شأن أمته ووطنه وبلده .
إنه إنسان يسحرك بحديثه ورقته وبساطته , ويفاجئك بعلم راجح وتجربة ساحرة . وهو يشبه سنبلة قمح مليئة ، بمئات الحبات اليانعات من تجارب عديدة ، ولكل حبة منها خصوصياتها ونكهتها تتبارى مع تجاربه العديدة لتشكل سمفونية تموج بألحان يفوح منها عطر ندي ، يشكل قصصاً ممتعة وهذه القصص تنمو كقوس يتدرج بألوان وأشكال تسحر أفئدة الكبار قبل الصغار, لأنها منسوجة بروح إنسانية لحمتها العلم وسداها الإيمان . هذه المنسوجة الحلوة شكلها عقل مرن مبدع وعاطفة إيمانية جياشة وخيال متسع الأرجاء .
قصة هذا الرجل قصة النضال المستمر والجهد الدؤوب والفكر النير والعاطفة الإنسانية الصادقة ، عاطفة رد الجميل لمن قدم له يد المساعدة ومن رباه وأحسن إليه ، وعاطفة حب الخير وتقديمه لمن يحتاج بشرط أن يرد الجميل كسلسلة متصلة الحلقات لتعم الإنسان . لقد حباه الله فكراً متزناً ، وعاطفة جياشة وغيرة متشبعة ، وحماسة متقدة , صعّد ذلك إيمانه العميق بالله سبحانه وتعالى ، وبالقيم الطيبة التي ورثها عن والديه وتلقاها عن أساتذته وشيوخه ومعلميه .
لقد مني العالم العربي منذ القرن الحادي عشر الميلادي وما يليه بسلسلة من الفتن الداخلية والحروب الخارجية بدءاً من الحروب الصليبية وغزو التتر إلى الحروب الاستعمارية الحديثة في القرن العشرين مما أدى إلى تضعضع الكيان السياسي وتشرذم الأمة العربية إلى دويلات , وأصاب المحيط العلمي أثر من هذا التضعضع ، فتراجعت الأمة العربية عن دورها العلمي والسياسي ليس في قيادة البشرية جمعاء فقط بل حتى في المحيط الداخلي حتى أن عقولها المفكرة لم تجد مناخاً في موطنها وأصبحت غريبة في دارها , وما كان عليها إلا أن تهاجر إلى بلاد من استعبد أمتهم واحتل بلادهم إلا من رحم ربك . كصاحبنا الكبير السيد كاخيا ، الذي لم تغره مغريات الغرب بل كان يسافر إلى هناك ليعطيهم ويأخذ منهم المفيد والصالح فكان وجوده هنا وهناك فسحة من فسحات الرجاء تهب إلى قلوب اليائسين وعزمة من عزمات الإيمان تنبعث في أوساط المتخاذلين وومضة نور تضيء الطريق للمدلجين
إن صاحبنا الذي هزتني دراسة آثاره وحياته هزاً عنيفاً، لأنه شخصية فذة قد آتاه الله من العلم مع التواضع ما لم يأت غيره ، وأنا إذ أكتب عنه ليس غايتي تخليد ذكره وإن كان هذا يجب أن يكون . وإنما من أجل أن يسير أولاده وأحفاده وطلابه والجيل الصاعد ويحذوا حذوه .
وأستطيع أن ألخص مظاهر عظمة شخصيته في هذه الأمور السبعة وذلك ما سوف تراه وتشاهده مفصلاً هنا وهناك في صفحات هذا الكتاب :
أولاً : جرأته العلمية . وإخلاصه لنصح الناس أجمعين .
ثانياً : شخصيته المؤثرة في سبيل العلم لطلابه وتحريضه لهم بسلوك طريق العلم الذي نحن بأمس الحاجة إليه لنهضة أمتنا والنصرة على أعداءنا .
ثالثاً : غوصه العظيم على أسرار العلم بكل ضروبه : (علوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات والتاريخ والفلك والأدب والشرع ) وإحاطته بمقاصد هذه العلوم ووصوله إلى لبها . فإذا بهذه العلوم تبدو له حبات في عقد منتظم منسجم .
رابعاً : إقدامه على الكثير من الأعمال التي يعجز عنها الآخرون . أو يحتاجون إليها . فكم من مرة تقدم للخطابة في مساجد عدة يوم الجمعة حيث لا يوجد خطيب ، أو تقدم لقيادة فئة من الناس حيث لا يوجد قائد , فهو مؤسس الجمعية الكيميائية السورية وغيرها وكان يقول مثلي كمثل خالد بن الوليد : يوم مؤتة عندما استشهد القادة الثلاثة الذين ولاّهم رسول الله ﷺ تقدم خالد ونصب نفسه قائداً وأنقذ الجيش من الهلاك.
خامساً : تربيته الصالحة لأولاده وطلابه ورعايته الصادقة لأسرته حيث يعتقد أن الفرد الصالح هو لبنة الأسرة الصالحة , وهذه اللبنة أساس في تكوين الأمة الصالحة القوية .
سادساً : تواضعه وكرمه وبشاشة وجهه ومحبته الخير للناس أجمعين ومساعدته لهم والأخذ بيدهم وكان يقول متمثلاً قول الرسول ﷺ : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ) وقوله ﷺ : ( الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ) .
سابعاً : جهاده في سبيل وطنه فهو منذ نعومة أظفاره وحتى يومنا هذا يسخر علمه في سبيل قضايا وطنه . ويقول متمثلاً حديث الرسول ﷺ : ( يثاب بالسهم ثلاث نفر : الذي صنعه والذي نقله والذي رمى به ) .
تلك في رأيي أهم مظاهر عظمة شخصية صاحبنا ولو أن كل واحدة منها كافية لأن تبوأه مكاناً علياً في قلوب كل من يلقاه , ويستأثر بحبهم والتفافهم حوله والتماسهم لعلمه , فكيف إذا اجتمعت كلها فيه .
سمعت باسم هذا الرجل من قبل سنوات طويلة ولكن كانت أول معرفتي كما قلت عندما حاضر عام 1998 في محاضرة مشتركة بين الجمعيتين التاريخية والكيميائية بعنوان : دور الكيمياء في الكشف عن الآثار وحفظها , وفي نهاية المحاضرة أعلن اعتزاله عن رئاسة الجمعية الكيميائية السورية بعد أن مضى على إنشائها خمسة وعشرين عاماً .
فظننت في حينه أنه مختص في علم الكيمياء فقط ، حيث يجيب على الأسئلة التي تخص مادته بكل طلاقة وثقة , لم لا وهو مؤسس ورئيس الجمعية الكيميائية السورية منذ تأسيسها في عام 1973 . وبعد فترة بسيطة وجدت فيه صفة لا يتصف بها إلا العظماء وهي العلم الغزير في كل ضروب العلم مع التواضع الشديد والميل للدعابة .
فهو يُلمُّ بالمعلومات التاريخية ، ويتحدث عن الشخصيات التاريخية بالرغم أنه كيميائي , وأهم من كل ذلك فهمه العميق للحادثة التاريخية وتقيميها والاستنتاج منها وهذه والله تحتاج إلى مهارات كثيرة . وفيما بعد وجدتُ فيه ضالتي وهو الإنسان المتحدث بكل المواضيع ذلك مما يسهل الأمور ويجعل للحياة طعماً ، ويفيد نفسه ويفيد مَنْ حوله ، ليس أفراد عائلته فقط بل كل المتعاملين معه ، ويزيد عجبي فيه عندما وجدت فيه الرجل الصالح المؤمن الذي يحب تدعيم القيم الأخلاقية الفاضلة , وأنه والله لمكتبة متنقلة تحوي جميع ضروب العلم .
فهو يجعل الآخرين يهتمون بالقيم فهاهو ذا المرشد والناصح والمدرس والمربي والخطيب ، ليس من نواح دينية فقط ، بل من نواح عديدة . فهو يحب لجلسائه التقدم وعدم الوقوف عند نقطة واحدة من نواحي عملهم وتفكيرهم , ويريد لطلابه وقرنائه ولمن يتعامل معهم أن يشابهوه في علمه ونشاطه وسلوكه وأخلاقه . وزاد من إعجابي به سفراته الكثيرة وزيارته المتكررة للبلاد الأوروبية والعربية بسبب العمل أو العلم أو التجارة أو الاطلاع على المجهول دون أن تأثر هذه السفرات على ما يحمله من قيم وأخلاق .
وما أجمل وما ألطف من أن تجلس معه ويحدثك من كل بلد زارها قصصاً يذكرها فيها عبرة وتشوق لمعرفة المستقبل والمجهول .
ولعل من أبرز ناحية لشخصيته هي ذكاؤه الوقاد وملكته الأصيلة في فهم العلوم وروحها ومقاصدها فهماً راسخاً شاملاً عقلياً دقيقاً و مبتكراً , وكان يقول إن الله سبحانه وتعالى شبه الذين يحملون العلم ولم يطبقوه ويستفيدوا منه كمثل الحيوان الأعجم الذي يحمل الكتب و هو تعب بحملها حيث يقول سبحانه وتعالى : ( مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً ) . ويظهر ذلك جلياً واضحاً لمن يطلع على كتبه ومؤلفاته الكثيرة في العلوم المتعددة حيث يدعو إلى تطبيق العلم والأخذ به لما ينفع الناس خاصة في كتابه : مائة صناعة كيميائية مختارة . وكتابه : صناعة المواد الأولية اللازمة للصناعات الدوائية . وكتابه معالجة المياه الصناعية والمنزلية . بل حتى في كتابه : الزواج الإسلامي . وسلسلة كتبه في الطب النبوي . وهذه الناحية من شخصيته العلمية ذات شأن كبير تحتاج إلى دراسة خاصة وبحث مستقل كنت أود أن أتوسع فيها ولكن ذلك سيوسع البحث ويضيق المجال فيكفيني منها الإشارة والاختصار . ويمكن أن نقول عنه أن علمه أكثر من تصانيفه ومؤلفاته ولئلا أترك جانباً من حياة الرجل غير مدروس وأقيم له صورة متكاملة متناسقة رجعت إلى جميع ما مكنني فيه من المصادر التي أشار علي بها وإلى مذكراته ومخطوطاته وكتبه بل حتى إلى آل بيته وزوجته وأولاده واخوته ثم إلى أصحابه وأقرانه , وكلما أشكل علي أمر عدت إليه لأستفسر عن ذلك خوفاً من قرب منيتي أو منيته فلا أستطيع أن أكمل ولا أستطيع أن آخذ منه .
ولقيت عناء كبيراً في الوصول إلى بعض الجوانب ثم إيجاد التسلسل والترابط الزمني بين مجريات حياته وأخذ مني ذلك الجهد العظيم والوقت الكبير وبسبب سفراته وانشغاله كانت تضيع علي إجابات عن استفسارات كثيرة مهمة كما كان أحياناً لا يفصح لي عن بعض مكنونات نفسه ويقول : اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالا يعلمون .
رأيه في تحرر المرأة :
أما بالنسبة لتحرر المرأة فيقول : نحن نفهم هذا الموضوع بشكل خاطئ فالمرأة يجب أن تحترم , والمرأة شقيقة الرجل وأخته في السلم والحرب , ولا شك في ذلك ، وهذا ما نجده في أوروبا وأفريقيا ، ولقد فهمنا موضوع تحررها بشكل خاطئ , فمثلاً أن تصبح موديلاً نستغل جسدها وجمالها وفتنتها للإعلانات والدعايات وأمور أخرى فهل هذا تحرر وهل خلقت المرأة لهذا الأمر ؟ !
بل هي مربية الأجيال وهي الأم وهي الطبيبة والمهندسة والمعلمة والموظفة والمجاهدة ، وفي أوروبا هناك شطط , ونحن نكرمها أكثر , فالمرأة هناك تقود قطاراً أو سيارة وتسافر من بلد إلى آخر تاركة بيتها وزوجها وأولادها أو تعمل في مسلخ وتحمل الدابة المذبوحة على كتفها إلى البراد وهذا ما رأيته في العديد من الدول الأوربية , وهذا بلا شك إجحاف في حق المرأة ، ولكن في بلادنا العربية والإسلامية استغلت المرأة كمصدر فتنة في الدعايات وغيرها فهل لهذا خلقت المرأة ؟ طبعاً كلا ! أما إذا كانت موظفة أو تقاتل إلى جانب الرجل أو تعمل إلى جانب زوجها في الحقل مثلا كأغلب النساء في قرانا فإن تقاليدنا وأخلاقنا لا تمانع في ذلك , وديننا يكرم المرأة إلى أبعد درجات الإكرام .
تحليل شخصيته ونفسيته :
يظهر لنا بتحليل أوصافه نفسيته أنه :
1 ـ قوي النفس والعزيمة بحيث يستهين بكل شيء كالمناصب والجاه في سبيل الحق وكانت هذه القوة تدفعه في كثير من الأحيان إلى الإثار والبذل والتضحية .
2 ـ كثير النشاط لا يفتأ يعمل ويعمل ويعمل .
3 ـ يحب المجتمع الذي يعيش فيه ويحب صالحه ونفعه . ويوجّه مواهبه وجل نشاطه إلى خدمة ذلك المجتمع على الأسس الأخلاقية والدينية والعلمية التي أتقن درسها وفهمها فأحبها وأخلص لها .
الفقه عنده كله يرجع على أربعة أمور :
1 ـ اعتبار المصالح و درأ المفاسد . و هذه قاعدة قائمة على حديث رسول الله r (لا ضرر و لا ضرار) فالشريعة كلها إما أن تدرأ المفاسد أو تجلب المصالح وأجمع آية في القرآن الحق على المصالح كلها والزجر عن المفاسد بأسرها قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل و الإحسان وإيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون ) .
2ـ حديث رسول الله ﷺ : الحلال بيّن , والحرام بيّن .
3 ـ حديث رسول الله ﷺ : إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى .
4 ـ حديث رسول الله ﷺ : الدين يسر وما شادّ الدين أحد إلاّ غلبه .
لقد أرهق أبو زياد نفسه بين التدريس ، والتأليف ، ووضع المناهج ، وإدارة النوادي والجمعيات العلمية والرياضية والخيرية ، وتشغيل المصانع ، وتقديم الخبرات ، وإصلاح ذات البين بين الناس ، وبرهن لنا بصلابة نفسه أن الإنسان قادر بعزيمته على أن يقوم بما يعده بعض الناس خارجاً عن طوق الطبيعة البشرية ، ولذا عندما رحل عنا ، رحل وهو في ريعان رجولته رغم أنه تجاوز الخامسة والستين من عمره .
رأيه في تقدير العلماء والمفكرين في العالم العربي :
علينا أن نعلم أن إسرائيل لا تعد لغزونا فرقاً من الراقصات والمغنيات حتى نسخر أجهزة إعلامنا المرئية والمسموعة والمقروءة لإجراء مقابلات ووصلات معهن ، ولكنها تعد فرقاً مسلحة بوسائل الهلاك والتدمير ، وأساطيل في البحر والجو ، وجموع من العلماء والمخترعين .
فنحن بحاجة إلى مخترعين ومخترعات ، وعلماء وعالمات ، أشد من حاجتنا إلى فنانين وفنانات ، ومع ذلك فإن الجوائز ، وكل الفرص ، وكل الأنوار تسلط على هؤلاء ويحرم منها أولئك ، وما رأيت يوماً أمة الضاد قد خصصت جائزة لشاب مخترع أو مكتشف ، ورأيت كل يوم عشرات الجوائز للشباب المتفوقين بالرسم والموسيقى والرياضة والرقص والغناء .
فكم الفرق بين أمة تكرم علماءها في شتى ضروب العلم و فروعه ، وبين أمة تهمل علماءها وتشغل أبنائها بأبسط ما في الحياة .
فهل هذا دليل على جدنا في الانضمام إلى ركب الحضارة و الخلاص من أعدائنا المتربصين بنا ، أم نحن قوم غافلون أو مخدوعون أو نائمون .


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

,