قصص من ولعي في الالكترونيات
أمة لا تقدر علمائها ومخترعيها ومتفوقيها هي أمة كتب لها أن تكون في مؤخرة الأمم
القصة الأولى
عندما كنت في الصف الثامن الاعدادي كنت مولعا في الالكترون والكهرباء وكان لي زميل أطال الله عمره له نفس الولع والهواية هو الأخ الفاضل هشام أبو فهد طليمات , فصنع كل منا محطة إرسال لاسلكية , وكنا نتصل مع بعضنا فهو يسمع صوتي وارسالي في بيته في راديو عنده على قناة خاصة نتفق عليها , وأنا كذلك . وكانت قوة ارسال كلا المحطتين كافيا لتغطية المسافة بين بيتي في شارع الذهبي بحي باب هود . وبين بيته في حي المحطة قرب ساحة الحاج عاطف الاتاسي , هذه المسافة التي تزيد عن خمسة كيلو متر , وبقيت المحطتين معنا عدة سنوات نجري عليهما التعديل ثم التعديل لزيادة قوة الارسال لمسافة أبعد ,
وأذكر أنني اردت مرة اختبار مدى ارسال محطتي , فركبت دراجة هوائية وسرت بها في طريق حمص – الحولة , فوصلت قرية تل دو التي تبعد حوالي خمسة عشر كيلو متر عن حمص ومحطتي لاتزال مسموعة , علما بأنه في ذلك الوقت لم تكن أجهزة راديو الترانسيستور الصغيرة معروفة , فصنعت جهاز راديو صغير من كرستال وسماعة اذن يعمل على بطارية جافة ( 1.5 فولط ) لسماع المحطة .
وللأسف عندما توفي والد زميلي هشام طليمات ترك هشام الدراسة وتفرغ للعمل في دكان والده في تجارة الأجواخ , وفقدنا بذلك علما كان يمكن أن يكون له مستقبلا باهرا في خدمة الأمة لو استمر في الدراسة , ولقي الاهتمام من المسؤولين .
وأوقفت أنا العمل في المحطة وتطويرها لتصل إلى مسافات أبعد لأنني علمت بأن السلطات المسؤولة تعتبر إية محطة إرسال غير رسمية تعتبر صاحبها جاسوسا يتصل ويتخابر مع إسرائيل .
القصة الثانية
إلا أنه وانا طالب في الصف الحادي عشر الثانوي أثناء العدوان الثلاثي على مصر ( حرب بور سعيد ) عام 1956 م ركب الضابط السوري جول جمال زورقا محملا بالمتفجرات متجها إلى البارجة الفرنسية لبرتي ( الحرية ) — وكان وقتها في دورة تدريبية في البحرية المصرية في الاسكندرية — وفجر نفسه وأغرق البارجة . فقلت في نفسي رحم الله جول جمال الذي فجر نفسه , أليس في إمكاننا صنع قارب مسير باللاسلكي محملا بالمتفجرات (طوربيد) نوجهه عن بعد من دون أن تزهق روح إنسان.
فصممت قاربا مسيرا باللاسلكي تتحكم فيه موجات لاسلكية ثلاث , احداها لتشغيل المحرك أو إيقافه . والاثنتان لتوجيه دفته لليمين أو اليسار , ودفعني الحماس لصنعه , ولكن أين المال اللازم ؟ , فعملت خلال العطلة الصيفية ببيع الجبس لأجني ذلك المال , إضافة إلى مصروفي اليومي من والدي رحمه الله . وعندما الأمر أقترب من التنفيذ طلبت من فرع المكتب الثاني للجيش في حمص لتجربته في بحيرة حمص . ولم يكن للجيش السوري وقتها أي فرع أمني آخر, فلم يكن هناك فرع أمن الدولة , وفرع المخابرات العسكرية , وفرع المخابرات الجوية , وفرع فلسطين إلى آخر ما هنالك من فروع الأمن .
ولما قابلت الضابط المسؤول رئيس الفرع وهو برتبة ملازم أول , قال لي : من وراك ولا ؟ ( أي من وراءك ) . وانا على براءتي , إلتفت خلفي فلم أجد أحد , فقلت له ما من ورائي أحد . فقال لي اتهزأ بي , من وراءك في صنع هذا الجهاز واستعمال هذه الموجات اللاسلكية التي في الظاهر والعلن تقصدون بها خير البلد وفائدته , ولكنكم في الخفاء والسر تقصدون من ورائها الاتصال بإسرائيل .
قلت له ليس من ورائي أحد كما تقصد , وانا عندك الآن لا أخرج , قدم لي ما أريد من صمامات ومكثفات ومقاومات وأسلاك أصنعه أمامك وأنا محجوز هنا عندك , ولم أقل له إنني قد صنعته وهو موجود لدي الان . لأنني لو قلت له ذلك لكانت الطامة الكبرى .
فصفعني كفين ورفسني برجله خارج الغرفة وقال لي : انقلع من هون ( أي أخرج من هنا ) فليس لدي وقت لسماع هذه الخزعبلات واللقاء بولد مجنون أو مهوس مثلك ,
فخرجت من عنده ضاحكا باكيا قائلا لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وللتاريخ لا تزال بعض صمامات هذا الجهاز عندي وبحوزتي حتى الآن وقد دفعت ثمنها من بيعي الجبس في شارع الحميدية مقابل دكان والدي وعمي آن ذاك رحمهما الله,