من محاضرتي في جمعية امل بأضنة
الكيمياء في الطب :
وفي هذا الوقت كانت الحرب العالمية الثانية في ذروتها ، وكانت الآلاف المؤلفة من الجنود الجرحى في حاجة إلى عناية طبية . ونظر المسئولون إلى البنسلين كحليف قوي في كفاحهم ضد الأمراض الوبائية والالتهابات . وأنقذ البنسلين خلال السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية حياة أعداد لا حصر لها من المحاربين الذين كانوا سيلاقون الموت دون شك بسبب الالتهابات الخطيرة لو لم يتيسر لهم هذا العقار السحري .
وأحد هذه العقاقير الذي يثير الاهتمام هو فيتامين ب 12 , وبالرغم من أن هذه المادة تنتمي أساساً إلى عائلة الفيتامينات ، فإنه في غالب الأحيان ينظر إليه كعقار منفرد بسبب خواصه المتميزة .
قبل عام 1926 كانت الأنيميا الخبيثة ، ذلك المرض الذي يصيب كريات الدم الحمراء ، تتسبب في وفاة نحو خمسين ألف من الأمريكيين كل عام . وبعد ذلك وجد الأطباء أنه بتغذية المصابين بالأنيميا بكميات كبيرة من الكبد أمكن الحد من هذا المرض . وظهرت رغبة جارفة بين العلماء لفصل هذه المادة المضادة للأنيميا الخبيثة من الكبد ، وأمضوا سنوات طويلة في المخبر بحثاً عنها . ونجحوا أخيراً في سنة 1948 حينما اكتشف أحد البحاثة بمخابر شركة ميرك هذه المادة الكيماوية على هيئة فيتامين ب 12 .
وحينما تم تحضير كميات نفيسة من هذا العقار الرائع لأول مرة ظهر للعلماء أن عملية استخلاص الكميات اللازمة لتعميم العلاج به مسألة تحتاج إلى أبحاث تماثل التي تمت لاكتشافه . فالطن من الكبد يعطي حوالي 20 مليجراماً من فيتامين ب 12 . ولحسن حظ العلماء وجدوا أنه يمكنهم الحصول على هذه المادة الكيماوية كنتاج ثانوي من نواتج تحضير الستربتوميسين ، وحيث أن مزارع الستربتوميسين تكون في حجرات تخمير كبيرة أمكن الحصول على فيتامين ب 12 بكميات كبيرة .
ولقد جمع الكيميائيون والأطباء معلوماتهم وفنهم لبحث مواضيع متنوعة في ميادين تخصهم خلال الحرب العالمية الثانية . ولقد حصلوا على نتائج مذهلة . ومن هذه النتائج الهامة أهم ما وصل إليه العلماء هو ابتكارهم لعقارٍ شافٍ للملاريا بدل العلاج التقليدي لهذا المرض والذي يتطلب استعمال الكينين الذي يحصل عليه من قلف أشجار السينكونا . وهذا البديل للكينين هو ” الأتيرين ” الذي مكّن جنود الحلفاء من الحياة والقتال في مناطق الملاريا بجنوب غرب الباسفيك والأماكن الأخرى من العالم التي ينتشر فيها هذا المرض وأثبت الأتيرين أنه أقوى من الكينين في القضاء على الملاريا .
المقالات »