1 – الأستاذ : عطا الله مغامس أديبا وشاعرا ومفكرا ومربيا
دير عطية 1914 – 1954 م
1 – حياته
* ولد عام 1914 في دير عطية إحدى قرى القلمون من أسرة فاضلة فأبوه الخوري حبيب عرف بتقواه وكان يتمتّع باحترام كبير بين مواطنيه جميعاً، يحبّ الخير لكل الناس. ويتحلّى بحسٍّ عالٍ من الرغبة في التآخي والتسامح ومشاركة الآخرين أفراحهم وأتراحهم . وما من أحدٍ يجهل قيمة الدعوة للإخاء والمحبة بين الجميع ،
* نشأ عطا لله في كنف والديه وإخويه خليل وداود . وهو الشقيق الأوسط بينهما , متشبعاً بالصفات الكريمة والمثل والقيم التي تحلت بها أسرته .
* تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسية الأرثوذكسية الوطنية في دير عطية ، وتابع تعلمه في حمص في الكلية الإنجيلية الوطنية ، وحصل على الثانوية العامة القسم الأول . عمل في تدريس اللغة العربية في دير عطية بين عامي 1937 -1938.
* في عام 1938 ذهب إلى دمشق ليكمل تعليمه في أحد معاهدها , وحصل على الثانوية العامة القسم الثاني ، وبعد تخرجه ، عاد إلى دير عطية لتدريس اللغة العربية فيها.
في عام 1943 غادر سورية إلى مصر للتخصص في آداب اللغة العربية ، من جامعة فؤاد الأول.
عين بعد عودته من مصر مدرسا للغة العربية في ثانوية خالد بن الوليد أو التجهيز الثانية كما كانت تسمى في تلك الأيام . ثم مديرا لها . وعلى الرغم من أن هذه الفترة لم تطل سوى ست سنوات ، فقد ملأ خلالها الدنيا وشغل الناس، ولا زال صدى هذه الفترة مستمراً في مدينة حمص حتى يومنا هذا ، ثم نقل إلى حماه مديرا لثانوية ابن رشد لمدة ستة أشهر ، ثم عاد إلى حمص لتدريس اللغة العربية في التجهيز الثالثة حيث كتت طالبا فيها .
2 – شخصيته :
* كان مغامس شعلة من الذكاء والنشاط ، شجاعاً كريماً، محباً للخير، عطوفاً على الفقراء والمساكين، عدوا للعنصرية والطائفية والإقليمية مخلصا لوطنه وعروبته .
* وكان واسع الاطلاع في اللغة العربية وآدابها، ومرجعا للأدباء، نشر نتاجه الأدبي في المجلات المحلية في حمص وغيرها، وحاضر في منتدياتها، وفازت قصائده في الكثير من المسابقات، ولحن بعضها وكان شعره فياضا بالمعاني القومية والوطنية .
* وكان يعتزُّ كثيراً بعروبته ، حيث كان يرتدي الكوفية والعقال فوق بزّة رسمية ، وكان وطنياً صلباً، محبّاً للغة العربية لدرجة التعصّب”.
3 – مغامس الشاعر.
* كان الشعر عالمه الخاص ، ودوحة راحته ، يحيا به ، وينفث فيه من روحه ليعبر عما يجيش في صدره من هموم وأشجان :
إن راح أهل الهوى يحسون حبهم ـ= روّحت أنشد أشعاري وألحاني
في الشعر انفخ من روحي فأبعثه = حيا وأحيا به في العالم الفاني
* والشعر مرآة نفسي حين أطلقه ـ = من معقل النفس ترويحا لأشجاني
* لقد كرس شعره كله للوطن والعروبة، ملتزما قضايا أمته، مفتخرا بها، فهي أشرف أمة في الدنيا جعلها الله في أعلى المراتب :
خسئ الطغاة فنحن أشرف أمة = في الكون يمنعنا الإباء ونمنع
إن كان في الدنيا فروع فضيلة = فالعرب وحدهم العفار المفرع
* لقد احتل الوطن قلبه، وملك جوارحه :
أنعــــــــــم به وطنا أحيا لخدمته = وحبه فهو في جفني وفي كبدي
* ويتألم لما أصاب الوطن، فيطلق صرخة مدوية على أثر قرار تقسيم فلسطين :
فلسطين طاب الموت، لن تتقسمي = ولن تسعف الشذاذ منك المآرب
* واهتز طرباً لجيش العرب عندما هب ليدافع عن فلسطين على أثر قرار التقسيم هذا :
يممو شطر فلسطين سراعاً =ـ عصبة تنتزع المجد انتزاعاً
مذ دعـــوا ثاروا ذئاباً وسباعاً ـ= يملأون الأرض والجو قلاعاً
إن تسلهم ينشدوا = تل أبيب الموعد = في غد عاش الغد
* غير أن الخيانة والوهن والخلاف دب بين العرب ، فغلبوا على أمرهم ، حتى يشاء الله للعرب خروجاً من هذه المحنة :
صبراً فلسطين ما البأساء خالدة = والذل للعرب لم يولد ولم يلد
يا أم مسجدنا الأقصى ومقدسنا = لن تستباحي وفينا نسمة الصمد
* همٌّ آخر عاشه شاعرنا ، إنه فرقة أخيه وغربته في المهجر، فيحاول في رسائله لم الشتات يحثه على العودة ، فالحياة جميلة في الوطن الحبيب ، ولا أهمية للمال بعيداً عن الأسرة والوطن :
أخي عـــــد إن الحياة = بغير مال قد تقوم
والمال في كف الكريم ـ= وإن تباخل لا يدوم
* لقد كان شعره كله يدور في فلك العرب والعروبة والوطن ، أما الغزل فلا مكان له في قلبه ، وهذا ليس بغريب على شاعر نذر نفسه للعروبة والوطن :
لكنني رجل ما للحب شاغلة = ففي قرارة نفسي عزم بركان
ما العيش بين الغواني الغيد مستلبي = عزمي معلق بهوى أهلي وخلاني
* وفي قصيدته صوت العروبة يعطي المرأة دورها في الحياة إلى جانب الرجل، ويبين أهميتها لتنشئة الأجيال وإعدادهم لدورهم المجيد :
ومن يرد نهضة الدنيا بلا امرأة = وإن قضى العمر في التنقيب لم يجد
ردوا أعنتها نحو الفلاح ولا = تطوقوا جيدها بالجهل والمسد
4 – آثاره :
ديوان أعده بنفسه للنشر إلا أن المنية عاجلته قبل طبعه.
* ومن ديوانه :
يامسلمون ويا نصارى يعرب = عودوا على عهد الصفا وسلموا
انــتــم جــنــاحــا امــة منــكــوبــة = فحذار ثم حذار ان تتقسموا
إن الـــوداد تــفــاهــم مــا بــيــنكم = فإذا تنابذتم فتلك جهنم
* وتحكم قصائده رؤيا فكرية واحدة : بإن العرب هم خميرة الخير في الإنسانية . وحين انطوت أعلام أمجادهم ساد الشر في العالم، ولكي تستقيم الأمور لا بد للعرب أن ينهضوا من جديد، ليقودوا الحضارة العالمية ويعيدوا الحق إلى نصابه . يقول في قصيدة “أبو الهول” :
وهــــل تستــقــيـــمُ أمــورُ الــبــرايــا = ويهدأ في الجوِّ هذا القَتَر
إذا العرب لم يبعثوا من جديدٍ = يقــودُهــم خــالــدٌ أو عــمــر
فحيث الفضائل حطَّت رحالا = فقد حطّ قومي رحال السفر
* وقصيدة فوق الرمال التي نظمت بمناسبة ذكر ى المولد النبوي الشريف، وهي أيضاً مبنيَّة على فكرة أن نهضة العرب ووحدتهم تنفي الشرّ والضلال في الأرض ، وتبعث الخير من جديد :
حادي العيس، حسبك الله لا تيئس = وفي العرب فضلة من إياد
اجــمــعـتوا أمركم فــقـتد جمع العجم = لــكــم كــلَّ كــارهٍ ومــعـــادي
وازهدوا في العروش يا مالــكــيــها = كل عرشٍ مصيره لاهتدادِ
* وقد كان يجذب إليه الطلاب والجلساء والزملاء بطلاوة حديثه وغنى ثقافته ، فقد قرأ كتب التراث عن محبّة وشغف، وعشق اللغة العربية أداة للتفكير والتعبير والتواصل القومي، ويبدو من خلال كتاباته أنه حفظ القرآن الكريم .
5 – ذكرياتي :
مما أذكره وأنا طالب عنده في الصف الثامن أنه كان يلقي علينا شيئا من الشعر من تأليفه . ويطلب منا كتابة موضوع إنشاء على معناه , ومما أذكر , أنه دخل علينا مرة قائلا : وظيفتكم للأسبوع القادم كتابة موضوع على معنى هذين البيتين :
لا تأمنوا للأجنبي فإنه = مهما تزهد في السيادة يطمع
متدرعا بسلاحه فرق تسد = وبكل خائن قومه يتدرع
أسهبت في شرح معنى هذين البيتين , وزدت عليها , بأن الاجنبي يسودنا بعلمه على جهلنا وتخاذلنا وتواكلنا وكسلنا . فأثنا كثيرا على موضوعي , وطلب مني إلقاءه على زملائي .
6 – وفاته :
* ويصيبه مرض السرطان في الرأس ، فيؤدي إلى شلله ثم وفاته في 14 تموز عام 1954. ولم يكن قد بلغ الأربعين من عمره ، وكانت وفاته فاجعة لأصدقائه ومعارفه ومحبيه وطلابه .
وتنعيه صحيفتا الفجر والسوري على أنه واحد من أبرز أفراد أسرة التعليم في حمص، وأنه أديب فذ من أدباء العربية .
* حمل سنواته الأربعين ورحل إلى جوار ربه ، بعد مرض دام أكثر من عام ، تاركا أرملة وخمس فتيات ، أكبرهن في الخامسة عشرة من عمرها , هن : وسام ، ونضال ، وخولة ، وصفية ، وميسون ، وأرى في الأسماء التي اختارها لبناته بالتأكيد تعبيراً عن الطموح والتطلع إلى الذروة . والتجديد وحبّه للعروبة وقيمها ومناقبها التاريخية ، في فترتي الجاهلية وصدر الإسلام .
ورزق بالإضافة إلى بناته الخمس طفلان ذكران سمى كلاً منهما باسم “عصام” ولكن لم تكتب لأي منهما الحياة، وهذا ما آلمه وأضناه، وأشعره بشيء من الحزن الذي لا يفارقه ، وربما كان هذا الحزن سبباً في مرضه وهو في شرخ الشباب . ووفاته قبل بلوغه سن الأربعين .
ملاحظة : الصورة الأولى : الأستاذ مغامس مدير ثانوية خلد بن الوليد عام 1952 مع أعضاء الهيئة التدريسية.
الصورة الثانية : الفريق جمال الفيصل الذي أصبح قائدا للجيش الأول أيام الوحدة مع مصر , مع الأستاذين الأديبين : عطا الله مغامس ورضا صافي رحمهم الله جميعا .