كيف حارب الإسلام الفقر والجهل والمرض
إن كل الدعوات التي قامت في العصر الحديث على اختلاف مذاهبها , قامت تدعو من أجل أن تتقرب من الناس إلى محاربة الأمراض الاجتماعية الخطيرة وهي : الفقر والجهل والمرض ، ولكنها لم تستطيع القضاء على هذه الأمراض الاجتماعية لأنها لم تسلك السبيل الصحيح إلى تحقيق ذلك .
ولا تزال آلاف البشر تموت من الجوع والمرض في العالم أجمع رغم التقدم ورغم المَدَنية ورغم العلم الحديث , لأن هذه المذاهب والدعوات تنبع من خارج ضمير الفرد لا من داخله كما فعل الإسلام .
المسلم بدون رقيب , سوى ضميره الداخلي الحي , لأنه بالطبع يشعر بوجود الله جلّ وعلا , وأنه مراقبه وأنه مطلع على كل صغيرة وكبيرة يعملها .
يقوم المسلمون من قرارة أنفسهم بتطبيق تعاليم دينهم الحنيف التي فرضها الله عليهم . في ظل الإسلام أصبح الجميع متساوون , حيث وضع الإسلام أساساً آخر للتفاضل بين الناس وهو التقوى , لا الغنى ولا كثرة العرض ولا كثرة المال ولا كثرة البنين والأولاد , والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن للمسلمين ذلك حين قال لهم : ” ليس الغني من كثرة العرض ولكن الغنى غنى القلب ” .
لذلك لما هاجر المهاجرون رضوان الله عليهم من مكة إلى المدينة تاركين أموالهم وأملاكهم مهاجرين بدينهم إلى الله جلّ وعلا ونزلوا على الأنصار , أول ما عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخى بين كل مهاجر وأنصاري . الأنصاري الذي رباه الإسلام , رباه محمد صلى الله عليه وسلم , يأتي إلى أخيه المهاجر ويقسم له ماله قسمين .
وعثمان بن عفان رضي الله عنه سنة المجاعة وكان قد قدمت له قافلة من الشام تحمل الحبوب , فأراد بعض التجار شرائها فقال لهم إن الله دفع لي فيها سبعمائة ضعف , والله يضاعف لمن يشاء قد جعلتها لفقراء المسلمين .
ولما غني الناس في ظل الإسلام وغنيت قلوبهم بالإيمان قبل غنائهم بالأموال تعففوا لأن خلفائهم وحكامهم تعففوا من قبلهم وكانوا قدوة حسنة , فهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله عندما تولى الخلافة أعاد كل ما يملك إلى بيت مال المسلمين وحتى حلي وأساور بناته وزوجته وعاش معيشة كفافاً ، وعندما رأى الناس زهد خليفتهم وورعه قلدوه , فصار المرء إذا قدمت له الدولة نصيبه من مال الصدقات كان يرفضها , لأنه أصبح غنياً وهو يعطي الصدقة ويخرجها . ولما تكدست الأموال لدى بيت المال قرروا توزيعها على فقراء أهل الكتاب لأنهم يعيشون معهم في مجتمع واحد , ولكن هؤلاء وقد تأثروا بآراء خليفتهم ومن حوله , كان الرجل منهم إذا دفع له الوالي نصيبه من أموال صدقات المسلمين يأبى أن يأخذها ويقول : لقد أغنانا الله في ظل الإسلام .
أما الجهل فقد حاربه الإسلام محاربة شديدة , ووضع الإسلام نظاماً للعلم لا يزال فريداً في نوعه حتى الآن في العالم . فالولد منذ أن يولد يجعل له الإسلام جعلاً ليستطيع والده أن يقوم بأعباء الحياة له , حتى إذا بلغ من العمر أربع أو خمس سنوات دخل المدرسة حيث يقدم له فيها الطعام والشراب والكتب والأقلام واللباس مجاناً , وفوق ذلك يعطى الطالب في آخر الشهر مقداراً من المال ليصرفه على نفسه كمصروف خاص فيما إذا اشتهى أو أراد شيئاً .
ولا تزال آثار هذا النظام موجودة في الأزهر الشريف حتى الآن رغم العصور البعيدة التي مرت على تاريخ الأزهر , وماذا يحتاج الوالد أكثر من ذلك أيها الأخوة !! الدولة تقدم له ما يستطيع أن يعيش به حياة كريمة , وتقدم لأولاده الطعام واللباس والعلم إلى أن يبلغوا مبلغ الشباب .
ولقد بلغ من تشجيع خلفاء المسلمون للعلم أنه في عصر الخليفة المأمون كان يعطى لكل من يترجم كتاباً من اللغات الأخرى كاليونانية والهندية والفارسية ولكل من يؤلف كتاباً بقدر وزن كتابه ذهباً .
أما المرض فقد حاربه الإسلام بأمرين وحلين :
الحل الأول : من قبل وقوع المرض , وأهمها النظافة لأن عدم النظافة هو السبب الرئيسي لكثير من الأمراض , حتى أن الإسلام جعل الوضوء والغسل وغسل اليدين قبل الطعام كل ذلك من أجل أن يبقى المسلم نظيفاً ، كما دعا الإسلام النظافة في الملبس , وطلب من المسلمين أن يأتوا المسجد بأفخر ما عندهم من الثياب .
كما قرر الإسلام الحجر الصحي حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى الطاعون قرية فلا تدخلوها وان كنتم فيها فلا تخرجوا منها .
كما دعا الإسلام إلى الزهد في الطعام ودعا لعدم أكل أكثر من ثلاث وقعات في اليوم حيث يقول صلى الله عليه وسلم لعائشة : يا عائشة إن أكثر من وقعةٍ في اليوم سرف .
والحل الثاني : هو محاربة المرض بعد وقوعه حيث يقول صلى الله عليه وسلم : ” يا عباد الله تداووا فان الله لم يخلق داء إلا وخلق له دواء ” .
وكانت الدولة تسعى لمحاربة سبب المرض بكل وسيلة تملكها .
فأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قد أنشأ في الإسلام مستشفى لكل مرض فمستشفى للجذام , وأخرى للطاعون , وأخرى للأمراض الباطنية …وهكذا . والمستشفى فاتحة أبوابها لكل أفراد الشعب بلا استثناء ، يلقى فيها المريض العناية الكافية ويقدم له الطعام الشهي والدواء النافع مجاناً فهي حق للجميع .
ولقد سرت في العصر الحديث دعوى تحديد النسل لأن تكاليف المعيشة أصبحت مرتفعة فلا يستطيع الوالد أن يقدم لأولاده الطعام واللباس والمسكن والعلم والدواء والحياة الكريمة , لذلك عليه أن يكتفي بأقل عدد من الأولاد !!…
هذه الدعوة لا مكان لها في الإسلام كما بيّنا ، بل على العكس الإسلام دعا إلى إكثار النسل وإكثار أمة محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنه ضمن لكل ولد منذ أن يولد إلى أن يبلغ مبلغ الشباب ما يكفل له حياته ومعيشته ولباسه وطعامه ودواءه كل ذلك من بيت مال المسلمين .
وقصة عمر رضي الله عنه مشهورة يوم أن خرج ليتفقد أحوال المسلمين ليلاً…..
حيث قال قوله المشهور : لا تعجلوا في فطام أبنائكم , لقد فرضنا لك وليد في الإسلام .
خطبة جمعة لي في المسجد الكبير في مدينة هلسنجبورج في السويد حيث عشت فيها ثلاث أعوام من عام 1993 م إلى عام 1996 م