المقالات »

قراءة في كتابي الكيمياء عند العرب 1

أولا – تقديم :
تتلألأ في تاريخ الأمم والجماعات أعمال ظاهرة باهرة ، ماجدة خالدة تدل على بعد النظر ، وعبقرية البشر . ومن هذه الأعمال في تاريخ أمتنا المجيدة علم الكيمياء بكافة فروعه وأشكاله التجريبية منها والتطبيقية والنظرية والفلسفية والفكرية . ولقد تتابعت نظراتنا ووقفاتنا وأبحاثنا عن العلوم عند العرب ومنها علم الكيمياء . وستظل متتابعة كذلك .
وليس لذي حظ وسيع من الوهم أو الخطأ أن يقول : إن هذا الحديث الدائم عن العلوم عند العرب هو لون من ألوان الرجوع إلى الماضي البعيد ، أو سمة من سمات الاستغراق في التاريخ السحيق .
لأن العلوم عند العرب لم تقتصر بأخبارها وآثارها على عهد دون عهد ، بل هي بوحيها وآثارها وتأثيرها ، لا تزال جارية سارية خلال صفحات الأجيال ، وعلى ممر العهود والأزمان ، وفي شتى المدن والأمكنة والبلدان . وليست لفتة الجيد منا إلى ماضينا المحشور بالمآثر والمفاخر رجعة إلى الوراء ، أو تعويقا عن التقدم ، ولكنها لفتة المتبصر المتذكر ، المواصل سيره على سواء السبيل
في كتابي هذا : الكيمياء عند العرب ، التي يشرفني أن أنشره مختصرا ًعلى صفحات الفيس بوك في قالب شديد الإيجاز أبين فيه عمل العرب في الكيمياء قبل الإسلام وبعده ، وكيف استثمروا علوم الأمم العريقة في القدم ، كالإغريق ، والهند , والصين ، ثم كيف قامت بعد ذلك الشعوب الاوربية بنقل تلك العلوم إلى أوربة الغربية خلال الحروب الصليبية .
كتابي هذا هو بحث علمي وتاريخي بنفس الوقت وعسى أن يكون مساهمة متواضعة في الإخلاص للحق والحقيقة وأنصاف العرب والكشف عن أمجادهم العلمية في القديم والحديث ومنها علم الكيمياء.
يقسم التاريخ العربي إلى عصرين رئيسين :
العصر الجاهلي : وهو العصر السابق لظهور الإسلام .
والعصر الإسلامي : وهو العصر الممتد منذ ظهور الإسلام وحتى عصرنا هذا
ولا يمكننا أن نفصل عصر عن عصر ، ولا عهد عن عهد ، ولا علم عن علم وإنما هي عصور وعهود وعلوم متداخلة مع بعضها البعض .
ولكن ربما يتبادر إلى ذهن القارئ هذا السؤال ما أهمية إصدار ونشر هذا الموضوع ؟ . أجيب بان الكتاب هذا لا يتناول فقط تاريخ علم الكيمياء من الزاوية التاريخية ولا يهتم بتدوين تراجم العلماء وسرد مؤلفاتهم ، ووصف الموضوعات التي أخذوها ممن سبقهم وصفا نظريا دون التعرض للمنجزات العلمية وأساليب البحث والإضافات العلمية التي قاموا بها . واستعراض بعض النظريات العلمية وإقامة بعض البراهين الحديثة على صحتها وخلودها ، وأنها مازالت الأساس الذي بنى عليه الغربيون حضارتهم المعاصرة .
إن كتاب الكيمياء عند العرب هذا يكشف لنا ماهية الكيمياء العربية ورموزها التي شغلت أذهان الناس فترة من الزمن ، وخاصة المستشرقين والباحثين في التراث العلمي الكيميائي ليس كما يزعم بعض المستشرقين المعترضين ، قيودا تشد الأمة إلى الماضي السحيق وكما يزعم بعض المهزومين أمام الحضارة الغربية ، وإنما هو طاقة موحية يمكن أن تسرى في شبابنا فتدفعهم إلى الحركة والتقدم
والدوافع والمبررات التي حفزتني لوضع كتاب “الكيمياء عند العرب ” كثيرة نذكر منها:
أولا : وضع الكيمائيين العرب في مكانهم الصحيح بين علماء الأمم الأخرى الذين اسهموا في تطور العلوم مع إبراز دورهم في تحقيق النهضة العلمية التي تجني البشرية ثمارها اليانعة .
ثانيا : المساهمة في البحث في تراثنا والكشف عما لم يكشف النقاب عنه بعد .
ثالثا : الرد على مزاعم البعض وافترائهم على علمائنا ودورهم في تنمية المعارف الإنسانية . وسواء كانت مزاعمهم هذه عن جهل أو تجاهل فواجبنا ككيميائيين عرب – أن نتصدى للرد على أمثال هؤلاء مما يدحض مزاعمهم ويفند أسانيدهم .
رابعاً : المقارنة بين الأدوات والأجهزة القديمة التي استخدمها علماء العرب – وبخاصة تلك التي اقتبسها الغربيون وطوروها- وبين الأجهزة والأدوات التي تستخدم في مخابر الكيمياء الآن بغرض إبراز دور علماء العرب في الابتكار والإبداع .
خامساً : إلقاء الضوء على أسلوب التفكير العلمي الذي اتبعه العرب في تناول المشكلات العلمية مما يسمى ألان المنهج العلمي والذي ينسبها الغرب – ظلما لنفسه .
سادساً : بيان دور الكيميائيين العرب في وضع الأسس والنظريات العلمية التي أعطاها الغربيون أسماء من عندهم وصاغوها في قوالب جديدة ثم نسبوها لأنفسهم . والحقيقة فأن مرد ذلك كله يقع على عاتقنا كعلماء عرب لم نأخذ المسألة على محمل الجد ، وكانت دراستنا في هذا الشأن دراسات أدبية وتاريخية تسجيلية ولم تكن أبدا دراسة واعية متعمقة على أسس علمية ثابتة .
سابعاً : إعادة النظر فيما سبق أن كتبه الباحثون والمستشرقون وغيرهم ممن لم تتوفر لهم معرفة كافية بعلوم الكيمياء الحديثة . وتصحيح بعض ما جاء في شروحهم مع توضيح بعض النقاط التي استعصى عليهم فهم جوهرها .
في هذا نداء الأعماق الحقيقي وصرخة مدوية لإيقاظ رسالة الإنسان العربي في معانيها الشاملة ومثلها العليا ومطالبها السامية من تفكير علمي ، ودقة في تحري الحقيقة وحماس في العمل الدؤوب وأسلوب علمي سليم مبتكر وضع التجربة أساس العمل ونظريات أولية كانت نواة للعلم الحديث كل هذا في مؤلفات موصلة إلى بيان واضح ، عن “الكيمياء العربية” .
إننا ندرس في العلوم النتائج العلمية فقط – ونغمض أعيننا عن تاريخ العلم الذي بنى هذه الكشوف العلمية وبعثها من مرقدها . إننا نتمتع بالخيرات العميقة التي وهبتها لنا نفس مبتكرة في العلم ، دون نلتفت إلى العوامل التي أوصلت إلى هذا الابتكار . انه وأيم الحق لجحود للمعروف ونكران للمعرفة دون الالتفاف إلى العبقريات العلمية بما عملته وما قدمته للإنسانية . فعلى هذا الأساس يجب علينا أن نفهم هذا الكتاب وأن نتخذه كعون لنا في إعطاء مغزى للكشوف الكيميائية العصرية .
وانه نظرا للوثائق التي وصلت إلينا هناك تجارب كيميائية قام بها علماء عرب كجابر بن حيان لم ينته الأخصائيون من دراستها بعد ، وفرضيات كبرى قد أدرجها في رسائله . وهذه سوف تحتل مكانا ساميا في تاريخ الكيمياء عند العرب يوم تدرس بإمعان من قبل أخصائيين كرسوا حياتهم في سبيل كشف الغطاء عن غوامضها من المهتمين بتاريخ العلم والعلماء العرب .
وأود أن أوجه خالص شكري وامتناني لزملائي الأجلاء في جمعية العاديات السورية والجمعية التاريخية السورية والجمعية الكيميائية السورية سواء الذين أشاروا عليه بموضوع هذا الكتاب أو الذين قدموا لي المعونة بصورة أو بأخرى ، حتى تحقق هذا العمل الذي قصدت به وجه الله والعروبة والإسلام .
_____ للبحث صلة ___


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,