المقالات »

ولاة حمص أيام حكم الخلفاء الراشدين

ولاة حمص أيام حكم الخلفاء الراشدين

حمص ـ مدينة ابن الوليد : كان أسمها ” أميسيا ” وقيل أن وجودها سابق لاسمها وربما جاء اسمها من الحمرة والخجل ، تشتهر بحسن موقعها الجغرافي المتوسط بين البحر والصحراء وأن تربتها تستعصي على العقارب .
وفي الحديث الشريف أنها من مدن الجنة حررها العرب المسلمون في 15 هــــ ـ 635 م بقيادة الصحابيين أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد , ورحب أهلها بالفاتحين بقولهم المشهور : ” إن ولايتكم لنا وعدالتكم أحب إلينا من الظلم والقسوة التي نعيشها من قبل ” .
ويقال أن النبي ﷺ حدث عائشة أنه رأى رؤية بنزول ملك من السماء فبشره بشفاعة عدد كبير من أهلها . وقد نزل فيها عدد كبير من الصحابة ، وتضم في ترتبها ما يزيد عن 400 صحابي , وفي بعض الروايات 900 صحابي على ما ذكر الثعالبي .
وفي منطقة الكثيب ( الكتيب بلغة أهل حمص ) وهي المقبرة التي تقع قرب باب سور المدينة الشرقي الشمالي ( باب تدمر ) على الطرق المؤدي إلى تدمر دفن الصحابة شهداء فتح حمص ولهذا سميت هذه المقبرة بالكتيب الأحمر , أما من مات فيما بعد من الصحابة والتابعين وخاصة بالطاعون ( الهواء الأصفر ) فقد دفنوا في مقبرة باب الدريب التي تدعى بالكتيب الأصفر , وهي المقبرة التي تقع أيضاَ قرب باب سور حمص الشرقي من ناحية الجنوب . التي فيها جامع وضريح الصحابيان وحشي وثوبان , وجامع وضريح أبناء جعفر بن أبي طالب , وجامع وضريح الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز. ولهذا حق لمدينة حمص أن يقال أنها مدينة طيبة فاضلة .
وحمص هي المدينة الثانية التي فتحها القائد الإسلامي سيف الله خالد بن الوليد من مدن سورية بعد فتح دمشق . فأحبها وأحبّته ، وعندما عزله عمر بن الخطاب عن ولاية قنسرين ، فضل الإقامة بحمص ، وقضى نحبه فيها ، وله فيها ضريح ومسجد كبير ، ولذا سميت حمص بمدينة ” ابن الوليد ” تيمنا وتبركا به ، ونسبة إليه رضي الله عنه .
تمتاز حمص بخصوبة أرضها ، ووفرة مائها ، واعتدال مناخها ، وتوسطها بين البادية شرقاً والبحر الأبيض المتوسط غرباً إضافة لما تضمنته من المنتزهات الجميلة والحدائق الغناء .

ولاة حمص أيام الخلفاء الراشدين , بلغ عدد ولاة حمص أيام حكم الخلفاء الراشدين عشرة ولاة وهم :

1 ـ السمط بن الأسود الكندي 15 هـ , 636 م .
2 ـ عبادة بن الصامت (15هـ ـ 16هـ) (636 م ـ637 م )
3 ـ عبد الله بن فقرط (16هـ ـ 18هـ) (637 م ـ 639 م )
4 ًـ عياض بن غنم (18هـ ـ 19هـ) (639 م ـ 639 م )
5 ـ حبيب بن مسلمة الفهري (19هـ ـ 20هـ) (639 م ـ 640 م )
6 ـ سعيد بن عامر (20هـ ـ 20هـ) (640 م ـ 640 م )
7 ـ شداد بن أوس (20هـ ـ 21هـ) (640 م ـ 641 م )
8 ًـ عمير بن سعيد (21هـ ـ 23هـ) (641 م ـ 643 م )
9 ًـ شرحبيل بن السمط (23هـ ـ 26هـ) (643 م ـ 646 م )
10 ًـ عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (26هـ ـ 46هـ) (646 م ـ 666 م )

الوالي الأول : السمط بن الأسود الكندي الحضرمي

قال صاحب تاج العروس : السمط ، الرجل الداهية في أمره ، الخفيف في جسمه , أو الصياد كذلك , وهو أكثر ما يوصف به
وقال ابن عربي : شبه الصائد بالسمط لصغر جسمه وصدره وخفته وهزاله .
والسمط بن الأسود الكندي هو الوالي الأول لحمص . وهو والد الوالي التاسع لحمص الصحابي شرحبيل بن السمط الكندي أبو يزيد ،
ذكره سيف في الفتوح وروى أنه شهد اليرموك وثبت هو وولده شرحبيل على الإسلام يوم ارتدت كندة وانضما إلى زياد بن لبيد . ويقول المظفري في تاريخه عن ردة اليمن : لقد ارتدت كندة كلها إلا السمط بن الأسود الكندي وولده شرحبيل .
وروى البلاذري عن العباس بن هشام الكلبي قال : أبلى السمط بن الأسود الكندي بالشام عامة وبحمص خاصة وفي يوم اليرموك ، وهو الذي قسم منازل حمص بين أهليها .
وكان ابنه شرحبيل بالكوفة منافسا للأشعث بن قيس الكندي في الرئاسة ، فوفد السمط إلى الخليفة عمر فقال له : يا أمير المؤمنين إنك لا تفرق بين السبي , وقد فرقت بيني وبين ولدي ، فحوله إلى الشام أو حولني إلى الكوفة فقال عمر : بل أحوله إلى الشام فنزل حمص مع أبيه .
وروى ابن خلدون أن أبا عبيدة أنزل السمط بن الأسود في بني معاوية من كندة في حمص مع من أنزل ، ولما بلغه أن أهل قنسرين غدروا بعهدهم بعد أن سلموا لخالد بن الوليد بعث إليهم السمط الكندي فحاصرهم وفتحها ، وأصاب فيها بقراً وغنماً ، فقسم بعضه في جيشه وجعل بقيته في المغنم ولذلك ضمت قنسرين إلى حمص زمناً طويلاً .
السمط بن الأسود بن جبلة الكندي الحضرمي” من قادة الجهاد في فتوح الشام المشهورة وهو من مواليد حضرموت ، وهاجر كغيره ممن رغب في صحبة رسول الله ﷺ ، في أول الأمر ، وعاد الى حضرموت وقد تمرس في كثير من المعارك هو وأبنه “شرحبيل بن السمط ” مع جيش المسلمين الذي قدم إلى حضرموت لحرب مانعي الزكاة من قبيلته وعشيرته ، لم يصده عن الحق ، عصبية ولا قومية ولا غيرها من المسميات ، في حروب الردة المشهورة في تاريخ الإسلام زمن الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه . واستوطن حمص من بلاد الشام بعد أن التحق بجيوش الفتح الإسلامي في خلافتي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، كغيره من أهل حضرموت ، وحتى فتح المسلمون العراق والشام ،
قال البلاذري في فتوح البلدان : (… أبلى السمط بن الأسود الكندي بالشام وبحمص خاصة وفى يوم اليرموك . وهو الذي قسم منازل حمص بين أهلها ) .
وقال الواقدي وغيره في أخبار الفتوح : بينما المسلمون على أبواب مدينة دمشق إذ أقبلت خيل للعدو كثيفة ، فخرجت إليهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين بيت ” لهيا والثنية “، فولوا منهزمين نحو حمص ، على طريق قارا ، واتبعوهم حتى وافوا حمص . فألفوهم قد عدلوا عنها. ورآهم الحمصيون، وكانوا متخوفين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم ، فأعطوا بأيديهم وهتفوا بطلب الأمان . فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم . فأخرجوا إليهم العلف والطعام وأقاموا على الارنط – يريد الارند ، وهو النهر الذي يأتي أنطاكية ثم يصب في البحر بساحلها – وكان على المسلمين السمط بن الأسود الكندي ، فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بن أبى سفيان ، ثم قدم حمص على طريق بعلبك ، فنزل بباب الرستن . فصالحه أهل حمص على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم ، واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد، واشترط الخراج على من أقام منهم .
وذكر بعض الرواة أن” السمط بن الأسود الكندي ” كان صالح أهل حمص فلما قدم أبو عبيدة أمضى صلحه ، وأن السمط قسم حمص خططا بين المسلمين حتى نزلوها ، وأسكنهم في كل مرفوض جلا أهله أو ساحة متروكة .
وبعث أبو عبيدة السمط بن الأسود في بني معاوية ، [ جماعة من قبيلته ] والأشعث بن مئناس في السكون ، معه ابن عابس ، والمقداد في بلى ، وبلالا وخالداً في الجيش ، والصباح بن شتير وذهيل بن عطية وذا شمستان ، فكانوا في قصبتها.
وقد ذكر أهل التراجم والسير أخباراً كثيرة عن السمط وأبنه شرحبيل كما في ” تاريخ دمشق ” لأبن عساكر رحمه الله نقل عن ” أبن سعد في الطبقات ” قال : السمط بن الأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين ، جاهلي إسلامي وفد إلى النبي ﷺ وأسلم وقد شهد القادسية وولي حمص وهو الذي افتتحها وقسمها منازل .
ومن أحفاد السمط بن الأسود الكندي يزيد بن شرحبيل بن السمط الكندي الحمصي غزا مع يزيد بن معاوية القسطنطينية سنة خمسين له ذكر في أخبار أهل الشام في تهذيب الكمال ” للمزي ” وتهذيب التهذيب ” للحافظ أبن حجر والتاريخ الكبير للإمام البخاري ، والجرح والتعديل لأبن أبي حاتم وميزان الاعتدال للذهبي ؛
ومن أحفاده أيضا “ثابت بن يزيد بن شرحبيل بن السمط الكندي الحمصي ” كان أحد الرسولين اللذين وجههما يزيد بن عبد الملك ببيعته إلى البصرة وكان أميرها إذ ذاك عدي بن أرطأة .
ومن أحفاده أيضا : السمط بن ثابت بن يزيد بن شرحبيل بن السمط بن الأسود الكندي من أشراف أهل حمص ، قدم دمشق فِي عسكر من أهل حمص للطلب بدم الوليد ابن يزيد ، فهزم الجيش بقرب عذراء ، ودخل السمط دمشق ، فبايع يزيد بن الوليد . وقيل إنّ أهل حمص ولّوه عليهم لمّا خلعوا مروان بن محمّد وقيل : ولّوا غيره .
ومما تقدم ذكره و تجدر الإشارة أليه الدور البارز لمهاجري حضرموت الأوائل في صدر الإسلام ،والأثر الكبير الذي تركوه هم وأبناءهم وأحفادهم من بعدهم إلى يومنا هذا في كثير من أقطار المسلمين في ميادين العلم والقيادة والزعامة وغيرها من الأمور التي تراها اليوم في كثير من شعوب هذه البلدان في الشام والعراق ومصر والمغرب العربي ، التي تكافح من أجل حريتها وحرية شعوبها وتجري في دماءها روح السمط بن الأسود الكندي وغيرهم من قادة حضرموت الأوائل في صدر الإسلام .

من كتاب لي مع الأستاذ الباحث فيصل شيخاني رحمه الله لايزال مخطوطاً بعنوان : الإصابة بمن نزل بحمص الشام من الصحابة


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

,