المقالات »

مورفينات الدماغ والجهاز العصبي

لم يكن معروف حتى بداية السبعينات من القرن العشرين الماضي إلا عدد محدود جداً من المواد الكيميائية التي يفرزها الدماغ أو بعض خلايا وغدد الجسم وتعمل كموصل عصبي , والتي من أهمها : الأسيتيل كولين , والأدرينالين , والنور أدرينالين والدوبامين
واتسع نطاق الاكتشافات الطبية بشكل متسارع ومذهل بعد ذلك التاريخ وتمّ اكتشاف أكثر من مائتي مادة من المواد البروتينية البسيطة والتي تعرف بالببتيدات والتي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في توصيلات الدماغ الكهربائية , التي لها دور في توصيل المعلومات العصبية من خلية إلى أخرى , والتي من أهمها الإنكفالين والإندورفين .
وهذه المواد الطبيعية التي تشبه المورفين تفرزها خلايا الدماغ , والجهاز العصبي , والغدة النخامية بل والجهاز الهضمي , وهي تعمل كمواد طبيعية في داخل الجسم ولها وظائف عديدة , ومن أهمها الشعور بالسعادة والدعة والراحة والسكون وتخفيف الألم .
وهي منة من الله الكريم الرءوف الرحيم , حيث جعل إفرازها يزداد لدى الحوامل وحين الولادة , لتخفف عن الأم ما تجده من ألم ومشقة أثناء الحمل والطلق والولادة .
ونجد أن هذه المواد يزداد لإفرازها لدى بعض الأشخاص , وقد تبين أن الإبر الصينية التي تستخدم لإزالة الألم أو تخفيفه أو التخدير بدلاً من المواد الكيميائية تزيد في إفرازات هذه المورفينات الدماغية , بحيث تجعل الشخص لا يحس بألم الجراحة ولا بمبضع الجراح .
وما نسوة المدينة أصحاب امرأة العزيز حين قطعن أيديهن , حيث لما رأين يوسف عليه السلام , وانشغل الدماغ بهذا الجمال الباهر وصحب ذلك إفراز غامر من مورفينات السعادة الدماغية , جعلتهن لا يشعرن بألم القطع .
وأحمد شوقي في مسرحيته عن قيس المتيّم بليلى لم يشعر بلذعة النار وهي تحرق يده لأن ليلى بجانبه , فهو يعيش في غمرة من السعادة لا تشعره بلذعة النار ولا بحرق راحتيه .
قيس : ليلى بجانبي ؟ كل شيء إذاً حضر
ليلى : ويح قيس تحرقت راحتاه وما شعر .
فإذا كان حب فتاة قد جعلت حبيبها لا يشعر بالألم وراحتيه تحترقان , فما بالك إذا تملكت النفوس حب الله .
فقد ورد أن الإمام علياً رضي الله عنه لم يشعر بآلام الطعنة التي طعنه إياها الشقي عبد الرحمن بن ملجم وهو ساجد يصلي بالناس صلاة الفجر , ولم ينتبه حتى انتبه المصلون خلفه للدم ينبعث من الجرح .
وعندما أصيب الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين ) بورم عرض عليه الطبيب الجراح أن يشرب البنج ( نبات الشكران ) حتى لا يحس بآلام الجراحة , فرفض أن يتناول ما يغيب العقل , وقال : إذا دخلت في الصلاة فافعلوا ما بدا لكم , فلما دخل في الصلاة وغاب في تلك المناجاة الروحية اللذيذة قام الجراح باستئصال الورم دون أن يشعر .
وفي معركة بدر يسرع الصحابي الشاب معاذ بن عمرو بن الجموح إلى أبو جهل وحوله كوكبة من فرسان بني مخزوم تحميه , ولكن عكرمة بن أبي جهل يبادر فيضرب معاذاً على عاتقه , فتتدلى ذراعه من منكبها فتعيقه عن القتال , فما يلبث معاذاً إلا أن يضع ذراعه فوق صخرة ويجزها بالسيف من منكبها بيده الأخرى ثم ينطلق يقاتل . غير شاعر بالألم لأن الجنة ماثلة أمامه تجعل كل صعب هيّناً , وكل ألم لذة . ولعل مورفينات دماغه كانت تفرز في تلك اللحظة بكميات كبيرة تهوّن عليه الألم , وتعطيه دفقات من الشعور بالسعادة .
نعم تؤثر هذه المواد الدماغية على الجهاز العصبي , فهي تؤثر على الحالة المزاجية للإنسان وعلى سلوكه وعلى حالته العقلية , وتنظم الجهاز العصبي اللاإرادي , وتنظم تناول الطعام ودرجة الحرارة , وتؤثر أيضاً على وظائف الهرمونات المختلفة فتعدل منها أو تزيد من نشاطها .
ونقص هذه المورفينات الدماغية هي المسئولة عن كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان مثل :
آ ـ مرض باركنسون .
ب ـ ومرض رقص هنتجتون حيث يتحرك المصاب بحركات عنيفة لا إرادياً.
ج ـ ومرض الخرف المبكر , في حالات الزيهايمر .
كما تمنع هذه المورفينات الدماغية الإحساس بالألم , والإحساس بالألم ظاهرة طبيعية لحماية الجسم من المؤثرات القوية الخارجية أو الداخلية التي تؤدي إلى هلاك الجسم . فوخز الإبرة أو الدبوس أو لسعة النار تسبب ألماً تجعل الإنسان يسرع في إبعاد الجزء المصاب عن الإبرة أو الدبوس أو النار .
وكذلك الإحساس بالألم في المرض , يجعل هذه المورفينات الدماغية تنقل الإحساس بالألم من المنطقة المريضة إلى الدماغ الذي يأمر بإفراز المادة المورفينية الدماغية المضادة والمسكنة للألم . وإذا لم تكن هذه كافية لتسكين الألم هنا يتدخل الطبيب بحقن المريض بمورفينات خارجية .
فسبحان ربك ذو الجلال والإكرام


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,