4 – الصناعات القائمة على الفلزات الطبيعية
( MINERAL – CHEMICALS )
وتعلمون سيادتكم أن الفلزات الطبيعية لم يعد استعمالها اليوم فقط لاستخراجها وبيعها خامات أولية , أو دخولها في بعض الصناعات الخفيفة أو غير المجدية , بل هي مصدر ومادة أولية للعديد من الصناعات التعدينية الثقيلة والمجدية والإستراتيجية الهامة والكيميائية , وهي مصدر طبيعي لا ينضب مادامت هناك حياة . وعسى أن أستطيع أن أتذكر في هذه العجالة بعضها الذي يتوفر في بلدنا سورية والتي منها :
1 – مناطق الاندفاع البركاني : وهي مصدر غني من :
آ – الحجارة البازلتية البركانية : وبلادنا كما تعلمون غنية بها في عدة مناطق : منطقة حمص والتي سميت بمدينة الحجارة السوداء نسبة إليها , ومنطقة السويداء وبصرى وجبل العرب . ولقد استفاد أجدادنا والأقدمون منها في عمارة وبناء بيوتهم ومساكنهم ومدنهم والمسارح والسدود والجسور , كما عبدوا بها الطرق والأزقة , ولا تزال آثار مدينة بصرى ومدرجها التاريخي , وآثار بعض أبنية وأزقة وشوارع ومساجد وكنائس مدينتا حمص , وآثار طريق الحجارة الروماني ( طريق العربات ) الممتد بين أنطاكية وحلب لأكثر من مائة كيلو متر , وآثار بعض المدن المنسية في مدينة إدلب شاهداَ على ذلك منذ مئات بل آلاف السنين .
وجئنا نحن في القرون الأخيرة فتركناها وراءنا ظهريا , واستبدلناها بالخفان الإسمنتي والاسمنت المسلح الذي ندفع ثمن مواده من حديد وإسمنت وغيره بالعملة الصعبة كما يقولون .
فأين مهندسينا ومعمارينا من الاستفادة منها اليوم , وخاصة أن وسائل وآلات استخراجها وقطعها وتجذيبها ونقلها اليوم أسهل بكثير عما استعمله الأقدمون . وأتمنى أن تزوروا معي قرية السمعليل في ريف حمص , والتي لا تبعد عن مدينة حمص أكثر من عشرين كيلو متر لتروا قرية عمرها آلاف السنين , أبنيتها ودورها وطرقاتها وسورها من الحجارة البازلتية , والتي حتى الآن لم تهتم بها مديرية الآثار , إلا ربما بعد أن تهدم القرية حيث يستفيد السكان هناك من حجارتها .
ب – شظايا وقطع الحجارة البازلتية : والاستفادة منها في إنتاج الصوف الصخري , المادة العازلة الحرارية التي تتحمل درجات حرارة عالية , كعزل الأفران الحرارية , وأنابيب البخار ذات الحرارة العالية والضغط المرتفع .
ج – التف أو الطف أو الرماد البركاني أو البوزولان أو الخفاف ( أسماء مترادفة ) وتختلف عن بعضها في الكثافة وتدرج الحجم . والتي يمكن استعمالها في :
1 – صناعة الخفان الإسمنتي الخفيف الوزن الطويل العمر القوي الأثر , بدلاَ من نحاتة الحجارة الكلسية التي تعطي الخفان وزنه الثقيل وقصر العمر لتآكلها مع ماء المطر الحاوي على غاز الكربون .
وقد قمت في تركيا بصناعة خفان حسب الطريقة التقليدية من نحاتة الحجارة الكلسية فكان وزن الواحدة 15 كغ , ومن البوزولان فكان وزنها ولنفس الحجم 10 كغ وهي أقوى وأمتن .
2 – صناعة الأسمدة : تم إضافة البوزولان في تركيبة سمادية مركبة تحوي النتروجين والفسفور والبوتاسيوم ( سماد مركب من N . P . K ) ثم تحبيب الناتج , فأعطى هذا السماد نتائج مذهلة , لاحتواء البوزولان على العناصر السمادية الأخرى والتي يحتاجها النبات بكميات صغيرة كالحديد وغيره , كما ساعد هذا السماد بما يحويه من حبيبات البوزولان الضعيفة الذوبان بتفتيت التربة وخاصة الطينية منها ذلك مما ساعد على تنفس الجذور , ولعل لونه الأسود قد ساعد أيضاَ في رفع حرارة التربة بما امتصه من حرارة الشمس وخاصة في فصل الشتاء .
3 – صناعة الإسمنت : لا يخفى على أحد فوائد إضافة البوزولان في صناعة الإسمنت بتحسين خواصه ومواصفاته .
2 – حجارة الدولوميت ( كربونات الكالسيوم و المغنسيوم المضاعفة ) :
تعتبر هولندا اليوم , أولى الدول في إنتاج المغنسيوم . المستعمل في صناعة القنابل الحارقة والمضيئة , وفي صناعة السبائك الخفيفة المتينة اللازمة لصناعة الطائرات والعربات وغيرها . تقوم هولندا بالحصول على المغنسيوم من كبريتات المغنسيوم الذائبة في ماء البحر الذي لا تتعدى نسبتها فيه واحد إلى عشرة آلاف ( 1 / 10.000 ) أي كيلو غرام واحد من كبريتات المغنسيوم في حوالي 10.000 كغ من ماء البحر , ولعملية استخراجه لا بدّ من هيدروكسيد الكالسيوم ونظراَ لعدم وجود الحجارة الكلسية في هولندا اللازمة لإنتاج أكسيد ثم هيدروكسيد الكالسيوم , فإنهم يقوم بشي وحرق قواقع الأصداف البحرية التي هي في الواقع كربونات الكالسيوم للحصول على أكسيد و هيدروكسيد الكالسيوم.
بالمقابل فإن حجارة الدولوميت , وهي حجارة جبال حسياء , لا نستفيد منها اليوم إلا بتحوليها إلى بحص وحصى ونحاته لاستعمالها في المجبول الإسمنتي أو تعبيد الطرق كطبقة تحت الزفت لمتانتها وقساوتها , وتفضيلها بذلك على بحص وحصى ونحاتة الحجارة الكلسية الصرفة . فإذا علمنا أن نسبة كربونات المغنسيوم في الدولوميت السوري لا تقل عن 20 % في أسوء أنواع الدولوميت , فهذا يجعلنا نفكر بالاستفادة من حجارة دولوميت حسياء لإنتاج المغنسيوم وسبائكه ومركباته ( انظر صورة حجارة الدولوميت , وصورة وصيغة كبريتات المغنزيوم ) والتي من أهمها كبريتات وفوسفات ونترات المغنسيوم , هذه المواد السمادية الهامة لأن عنصر المغنسيوم ضروري ولازم لتكوين اليخضور ( الكلوروفيل ) في أوراق النبات , تماما كعنصر الحديد الضروري واللازم لتكوين هموجلوبين الدم في الإنسان. .
ومن هنا جاءت الفائدة في إضافة مسحوق حجارة الدولوميت في مصنع السماد في حمص إلى سماد نترات الأمونيوم , لمنع تحجره وتميعه وانفجاره حين النقل والتخزين من جهة , إضافة إلى الاستفادة من عنصري الكالسيوم والمغنسيوم فيه من جهة ثانية , وهما من العناصر السمادية الثانوية التي يحتاجها النبات خلال مراحل نموه وحياته .
3 – خام الزيوليت الطبيعي : والاستفادة منه بعد تنقيته في تطرية المياه وإزالة قساوتها وعسرها , والمياه المزالة القساوة والعسرة ضرورية جداَ للاستعمالات الصناعية في الصباغة والغسيل وتوليد البخار لمنع ترسب الكالسيوم والمغنسيوم على جسم المرجل البخاري وأنابيبه .
وهنا لا بدّ أن أشير إلى أن معظم خام الزيوليت السوري هو زيوليت البوتاسيوم , وهو مفضل على زيوليت الصوديوم في كثير من الاستعمالات .
4 – خامات وفلزات الحديد : ولو أن خامات وفلزات الحديد السوري في منطقة راجو والزبداني وغيرها فقيرة في نسبة الحديد , إلا أنه يمكن استعمالها اقتصادياَ لإنتاج مركبات الحديد , وخاصة كبريتات وكلور وشيلات الحديد . ونحن نعلم أن كبريتات الحديد مادة أولية للعديد من الصناعات فهي تدخل في عملية معالجة المياه , وفي صناعة أكاسيد الحديد الملونة التي تدخل في صناعة أصبغة الدهانات المعدنية . كما أن مادة ثالث كلور الحديد مادة مانعة للتآكل في المراجل البخارية بامتصاصها وتفاعلها من الأكسجين الذائب في مياه المراجل البخارية. ولا ننسى شيلات الحديد المادة السمادية الهامة والتي نستورد الطن الواحد منها بأكثر خمسة آلاف دولار .
5 – فلزات أخرى : ومن أهمها :
1 – الرمل : المادة الهامة في عمليات البناء وفي صناعة الزجاج والآجر والبورسلان , وهذه صناعات معروفة لدينا , ولكن أحب أن أشير هنا إلى صناعة سيليكات الصوديوم المادة الهامة في صناعة الصابون والمنظفات , والمادة الأولية الهامة أيضاَ في إنتاج مادة السيليكا جل المادة الماصة للرطوبة والتي بدء استعمالها الآن بإضافتها للتربة الطينية أو الرملية فتساعد على امتصاص رطوبة الجو , كما تقوم بالاحتفاظ بماء المطر أو ماء الري فلا يذهب إلى المياه الجوفية فلا يحتاج النبات عندها إلى الكثير من المياه .
وتحول الأراضي الرملية وسواحل البحار إلى أراضي صالحة للزراعة فلا ترشح المياه منها وتذهب سدى .
وتستعمل السيليكا جل الآن وبنجاح في تغليف البذور , فتساعد على حفظها من جانب وعلى سهولة استعمالها في البذارات الآلية لأنها تصبح بشكل كروي واحد من جانب آخر وخاصة بذور الشمندر والشعير , كما تمنع الطير من التقاطها من جانب ثالث إذا طالت فترة انقطاع المطر والري , ولعل من أهمها أيضاَ امتصاص الرطوبة الجوية من جانب رابع والمساعدة على إنباتها إذا طالت فترة انقطاع المطر والري .
كما تستعمل السيليكا جل في حفاضات الأطفال والشيوخ لامتصاص البول ومنع رشحه إلى ثيابهم .
والسليكا جل التي قمت بتصنيعها في تركيا وألقيتها محاضرة عام 2008 في مركز الأبحاث الزراعية بمدينة أضنة وهو أكبر مركز أبحاث زراعية في تركيا , كانت قدرتها على امتصاص الماء حوالي مائة ضعف وزنها , وهذا مؤشر جيد وإن كانت وكالة ناسا للفضاء قد وصلت إلى سيلكا جل تمص مائتي ضعف وزنها من الماء .
والأبحاث اليوم اتجهت لمادة بولي أكريل الصوديوم التي تمتص أكثر من سبعة مائة ضعف وزنها من الماء , والتي تضاف إلى المروج والملاعب الخضراء , وهنا لا حاجة كثيرة لمياه الري مادامت هناك رطوبة جوية .
وفي تجربة تم إضافة ومزج بذور الكازون ( العشب الأخضر ) مع مادة بولي أكريل الصوديوم وهي أيضاَ مادة لاصقة إذا بللت بالماء , ورش المزيج على سطح جدارعمودي مصمت أملس فنبتت البذور وتغطى الجدار بالحشيش الأخضر ولا حاجة كثيرة لسقايته ما دام هناك مطر ورطوبة جوية مناسبة .
2 – البنتونيت ( البيلون الحلبي ) الطبيعي : ولا يخفى على أحد أهمية استعمالاته ودخوله في طينة حفر آبار البترول , وفي تكرير الزيوت النباتية والحيوانية والمعدنية بإزالة شوائبها وامتصاص ألوانها ورائحتها . كما أن ماء نقعه المعطر كان يستعمل قديماَ كمنظف لطيف لقلويتة الخفيفة وما له من أثر جيد على نضارة وجهه وجلد وجسم الإنسان
3 – وأخيراَ وليس آخر لا بد أن أشير إلى فلز الجص الطبيعي ( كبريتات الكالسيوم الطبيعية ) واستعماله في الجبائر والبناء وقوالب الجص للديكورات والتماثيل وطب الأسنان. كما يمكن الاستفادة منه ومن الفسفوجبسوم المنتج الثانوي في صناعة حمض الفسفور من الفوسفات في إنتاج مادة كبريتات الأمونيوم , وذلك بمعالجتهما بمادة كربونات الأمونيوم , حيث تتكون كبريتات الأمونيوم المادة السمادية الهامة وتذوب وتترسب كربونات الكالسيوم .
المقالات »