المقالات »

من خطبة جمعة كنت قد ألقيتها بمسجد مدينة هلسنبورج في السويد في ذكرى المولد النبوي الشريف

رحم الله الامام البوصيري القائل في قصيدته البردة :
محمد سيد الكونيين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم

أيها الأخوة : في مثل هذا الشهر المبارك شهر ربيع الأول لعام خمسمائة وسبعين ميلادية أذن الله عز وجل بولادة سيد البشر ، سيدنا محمد بن عبد الله ﷺ فكان مولده بدءاً لتغيير مجرى التاريخ ، وإصلاح الحياة ، وإيذاناً بهداية الإنسانية ، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور . ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام
هذه الذكرى العظيمة التي تمر بنا تطلب منا بأن نعود إلى سيرته الشريفة نقرأها ونستخلص منها الدروس والعبر والعظة . فنطبق هذه الدروس والعبر على أنفسنا , وان نعود إلى ديننا العودة الصحيحة السليمة كي نبني على ذلك حاضرنا العظيم .
الإسلام ليس هو مظهر لا روح فيه . الإسلام ما جاء ليقعد في المحاريب ويعتزل ركب الحياة غير متدخل في تنظيمها ولا توجيهها . بل الإسلام دين روحي وعلمي واجتماعي وإصلاحي . يريد للمسلم أن يكون أنموذجاً طيباً في هذه الحياة . طيباً في نفسه وفكره . طيباً مع من حوله من أفراد أسرته وعشيرته وأهل بلده , طيباً في معاملته للناس والبشرية أجمعين . {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }} سورة الحجرات 13 . والله عز وجل حين أمر بالعبادات أراد منها أن تكون وسيلة لإصلاح الخلق وتقويم المعوج وتهذيب السلوك حتى يعيش المسلم سعيداً مع من حوله . وحين يأمر الله عز وجل بفضيلة من الفضائل إنما يريد سعادة الناس . ومن أجل هذا تتجه كل تعليماته من عبادات أو معاملات إلى هذه الغاية السليمة . والله عز وجل لن يقبل صلاة تاجر كذوب أو عامل غشاش أو موظف خائن أو حاكم ظالم . فالإخلاص لله لا يتجزأ . وهو روح تلازم الإنسان في كل عمل من أعماله . {{ الاحسان : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تك تراه فإنه يراك }} . هذا الإخلاص لله . والحب لرسول الله ، دفع بالمسلمين الأوائل لأن يكونوا قدوة نقتدي بها .
والمسلمون الأوائل كان يدفعهم حبهم لرسولهم ونبيهم ﷺ إلى أن يضحوا بحياتهم من أجله : خذ مثالا على ذلك : يوم أحد والنبل يتساقط على رسول الله ﷺ من كل جانب جاء أبو دجانة وجعل من نفسه ترساً له والنبال تقع على ظهره واهبا نفسه وروحه له صائحاً بتلك الكلمة التي كتبتها له الأجيال : ” نفسي دونك يا رسول الله ” .
هكذا كانت محبة الصحابة لدينهم ونبيهم . ولربهم الذي يقول في كتابه الحكيم على لسان نبيه ﷺ : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ، والله غفور رحيم . سورة آل عمران الآية 31 .
والله عز وجل يبين لنا في كتابه أن المفلحون والفائزون هم الذين يتبعون الرسول ﷺ وينصروا دعوته ويعزوا دينه بقوله تعالى : فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون . سورة الأعراف الآية 157 .
ولذلك كان من صحة الإيمان أو كماله . أن يكون هوى المؤمن تبعاً لما جاء به نبيه وهاديه ﷺ . فالرسول الأعظم ﷺ يقول : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به » .
ولد ﷺ نبي الهداية والحق ، بعد أن عم الضلال وساد الجهل وخيم على البشرية جو رهيب من الكفر والوثنية والطغيان والعبودية وتخبط الناس في ظلمات الشرك والأوهام والرذائل والآثام . ولقد منّ الله سبحانه وتعالى على المؤمنين لتفضله ببعثه سيد المرسلين ﷺ في قوله تعالى : لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب الحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين سورة آل عمران الآية 164 .

أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,