مسك وعنبر
القسم الثاني : حوت وعطر العنبر
العنبر Amber-Gris هو أحد المواد القيمة جداً التي يستخدمها صانعوا العطور ولا غنى لهم عنها ، “عرف العنبر ، واحتل مكانة مرموقة على مدى قرون . واعتبر مادة هامة في التجارة في شمال غرب أفريقيا قبل الألف الأولى للميلاد . وقد صنفه ابن حوقل Ibn Haukal مع الرقيق الأسود Black Slaves والذهب في القرن العاشر كواحد من أهم المنتجات في المغرب . وفي النصف الأول من القرن السادس عشر أشار ليو أفريكانوس Leo Africonus ، من بين ما أشار إليه من هدايا ، قدمها سلطان المغرب إلى زعيم الجبل : ( خمسين رقيقاً من الرجال ومثلها من النساء ، وستة عشر من سنور الزباد Civet-Cats ، ورطلاً من طيب الزباد ورطلاً من العنبر .
ولا يزال العنبر حتى الوقت الحاضر يحتل مكانة رفيعة في الغرب ، ربما ولو جزئياً ، بسبب عطره الغريب ، ولكنه ، يتمتع في الشرق بشهرة أوسع بسبب خواصه التي يظن بأنها مثيرة للجنس Aphrodisiac Properties
“في تلك الأيام وما بعدها ، اعتبر منشأ العنبر مسألة تدعو للتفكير ، لأن كمياته كانت تجمع من شواطئ البحار . فقد ظن في وقت ما بأنه براز عصفور ، أو شكلاً من مادة صمغية متحجرة ( وهو ما يفسر اسمه الغريب ) . كما ظن في أزمنة أخرى بأنه شكل من القار Bitumen أو شكل من الفطر البحري .
ولكن توطد صناعة صيد الحيتان Whaling وفرت معرفة أوسع عن العنبر . فقد بات من المؤكد اليوم أن العنبر من حوت العنبر ، وربما الحوت الذكر فقط ، عندما يتغذى بالحبار Squid ، أو الصبيدج ( حيوان بحري هلامي Cuttle-Fish ) فقط . وحوت العنبر مغرم بهذا النوع من الطعام بشكل جامح . توجد دائماً المناقير الصلبة أو فكوك الحبار مطمورة في العنبر ، والتعليل العام المقبول لتشكل العنبر هو أنه نمو مرضي يسببه تهييج هذه المناقير غير المهضومة في معدة الحوت .
يشير العدد الكبير للقطع الصغيرة التي تجمع من الشواطئ في بلدان مختلفة ، وبصورة رئيسية ، من أوستراليا ونيوزيلند ، ومن شواطئ المحيط الهندي أن احتمال حدوث هذه الحصيات الداخلية شائع جداً ، ولكن الحوت يتخلص منها بعملية فطرية . وسيدرك أي شخص حسن الاطلاع على العنبر بأن مئات من القطع تتفتت أو لا تكتشف مقابل كل قطعة تجمع ، ووجود الكتل الكبيرة نادر على الشواطئ
مع ذلك ، فإن الكتل الكبيرة جداً توجد وتأتي من معدة الحوت الميت ، بدون أن تعبر إلى الأمعاء وهي عادة تكون على شكل كتلة خشنة قاتمة مغلفة تحتوي على كمية غير عادية من مناقير الحبار ، كما أنها تكون رطبة خبيثة الرائحة . ولهذا ، فإن جميع اللقى الكبيرة هي من نتاج مراكز صيد الحيتان حيث يتم اصطياد حوت العنبر ويجري تقطيعه .
وبما أن صناعة صيد الحيتان محصورة تقريباً في أيدي النرويجيين ، لذلك تعتبر النرويج وبحارها المصدر الرئيسي للعنبر .
“وبشكل ثابت ، توجد القطع الكبيرة جداً في معدة الحوت ، أما القطع التي تزن15 – 30 رطلاً فتتألف من عدد أكبر أو أقل من القطع ، التي توجد أحياناً منحشرة في الأمعاء بحيث تسدها بشكل جزئي . وهي قطع ملساء عادة لكونها قد تم صقلها فخلت من الأوساخ والحطام ، فأصبحت ذات مواصفات عالية جداً .
وبغض النظر عن حقيقة أن العنبر يحمل الثقل النوعي 0.9 تقريباً ( ولذلك يطفو ) ، وينصهر بدرجة حرارة منخفضة نسبياً فلا يعرف عن كيميائيته إلا القليل جداً . والمادة البلورية التي أطلقت عليها تسمية العنبرين Ambreine انفصلت عنه .
ويتفاوت العنبر تفاوتاً كبيراً لوناً ومظهراً ، ويصعب جداً على أي شخص إلا إذا كان خبيراً أن يميزه . وإن تنوع العنبر وتفاوت صفاته يعود لتنوع الغذاء ودرجة حرارة الماء وللمنطقة التي يعيش فيها حوت العنبر .
فالعنبر الأبيض الذي طال تعرضه للبحر والشمس ، وخاصة في الشرق ، يعتبر فاخراً أكثر . وهو نادر نسبياً ، ويوجد بقطع صغيرة ، بحيث لايزيد وزن أكبر قطعة عن عشرين آونساً فقط . والصفة الممتازة عادة هي اللون الفضي الرمادي ، أو الذهبي الشاحب ، مع ذلك يتراوح اللون من ضارب إلى الحمرة مروراً باللونين الرمادي والبني الغامقين ، والمرقشين أحياناً ، إلى اللون الأسود الصرف أحياناً . والأسود أسوأ وأقل قيمة ، لأنه يمتزج عادة بمادة دموية وبرازية ، تضفي عليه رائحة قوية غير مرغوبة .
رائحة العنبر مميزة جداً لكن يصعب تعريفها، وقد وصفت بأنها عفنة ، ومسكية ، وترابية ، ولكنها في صفاتها الفاخرة ليست كريهة وتذكر برائحة البحر . والعنبر مادة غالية جداً ، وتباع عادة بعد تجفيفها وتنظيفها . أما في الحالة الطبيعية ، فيعرض التجار قطعاً ذات صفات متنوعة وملوثة قليلاً أو كثيراً ، وأحياناً في حالة رطبة ، والجزء الأكثر قيمة في كتلة كبيرة من العنبر الجيد الصنف هو القلب أو اللب الذي يحيط به دائماً قشرة طبقية متفاوتة الثماكة إلى حد كبير . بينما نجد أن الصنف الأسود القليل الجودة يحتوي على تجاويف يوجد بين مختلف طبقاتها عادة غبار أسود عديم الفائدة .
والقطع الكبيرة عموماً رطبة دائماً في الوسط والداخل وحتى من الخارج ، ولهذا يجب إجراء حسم لإنقاص الوزن بمقدار 15 – 20 % . يتوجب أخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار حين شراء قطع العنبر وخاصة الكبيرة منها ، وشراء العنبر يتطلب خبرة واسعة وإلا فالخسارة تكون كبيرة . والخبرة شيء مكلف جداً للشراء .
قدم غيتفوس Gattefosse نظرية جديدة فيما يتعلق بتشكل العنبر أشار فيها إلى أن الرائحة قد تعود إلى رائحة المسك عند الحبار الذي يتغذى به ذكر حوت العنبر . ويذكر بأن الرومان القدماء ، استناداً لما يذكره بليني Pliny ، استخدموا في صناعة العطور نوعاً من الرخويات Mollusc هو الإلدون موسكاتا Eldon Moschata ، بحيث يجفف ويسحق ، يشكل هذا الرخوي ورخويات أخرى الطعام الرئيسي لذكر حوت العنبر . ربما تتشكل حصيات العنبر بتبلور العنبر كمادة برازية تستهلكها عصيات (Bacillus ) تسبب المرض المعوي . وما العنبرين Ambreine إلا التركيب الذي يحوي المادة العطرة على نحو متصل .
للعنبر الحقيقي ثقل نوعي يتراوح من 0.78 – 0.92 ، ويلين في حوالي 60 مئوية . ويصبح سائلاً عند درجة أعلى . وهو ذواب في الإيتر وبعض الزيوت الطيارة والثابتة ، وينصهر بالماء الغالي ، ويتطاير عند درجة حرارة أعلى . ومن صفاته أنه يمكن إدخال إبرة ساخنة في الكتلة دون أن تلتصق مع انطلاق رائحة مميزة ، وتظهر قطرة كهرمان Amber منصهرة ملونة عند نزع رأس الإبرة . وتتألف تلك النقطة في 80 % منها من العنبرين الذي استخلص لأول مرة ( بالكحول ) عام 1820 مع بعض من حض البنزوئيك .
إن أفضل أنواع العنبر هو الرمادي الفاتح ، أما الأنواع الأخرى فبنية ، أو بيضاء ، أو سوداء . يتم تحديد العنصر الأساسي العطر بوصفه متميزاً عن مقومه البلوري ، العنبرين ، بوجوده سابقاً بحد ذاته في الحبار المرتبط بالإلودون موسكاتا Elodone Moschata . يلتهم الحوت كميات كبيرة من هذا الغذاء ، كما ذكرنا آنفاً ، ولكن لم يثبت بعد ما إذا كانت رائحة العنبر ناجمة عن احتباسها في الأمعاء أو عن تأثير البكتيريا .
ربما تكون رائحة اللاذن Labdanum هي الرائحة الوحيدة في عالم النبات التي يمكن أن تقارب إلى حد بعيد رائحة العنبر ، ولكن ذكر أن رائحة زيت مقطر من النعناع الأمريكي Monard Didyna تشبه تلك الرائحة أيضاً .
لقد تغيرت طريقة استخلاص العنبر خلال القرنين الماضيين . فبعض صانعي العطور والحلويات الفرنسيين حضروا في الأصل عطراً Essence بفرك العنبر ببلورات السكر في هاون وعملوا على هضم المزيج بالكحول المقطر وروح الورد ، مع التعريض لحرارة الشمس . وأضاف آخرون إلى المزيج السابق بعض المسك ، والقرفة ، والليمون ، والبرتقال، والورد والخزامى .
وأورد تشارلز ليلي Charles Lillie في عام 1822 ، أنه كان يتم مزج 1.5 أونساً من العنبر مع 30 قمحة ( وحدة وزن = 64.8 ملغ ) من المسك و20 قمحة من الزباد Civet . ويجري تحويل كامل المزيج إلى مسحوق ناعم بقطع جافة وصلبة من السكر . ثم يضاف إليها كوارت واحد ( 28 رطل إنكليزي ) من الليمون الأخضر غير الناضج ، وينقل إلى زجاجة كبيرة وسميكة تحتوي على 3 باينت ( الباينت 0.5 كوارت أو1/8 غالون ) من الكحول المقطر . وتوضع الزجاجة بعد إغلاقها بسدادة محكمة بدرجة حرارة ثابتة في الرمل لمدة 21 يوماً . وتهيأ هذه الطريقة بعد التحضير روحاً نقياً من العنبر .
أما اليوم فيتم إنتاج الخلاصة بطريقة أبسط . يجري تحويل 30 غ إلى مسحوق ، وتضاف إلى ليتر واحد من الكحول . توضع الزجاجات سعة 5 ل تقريباً في آلة خض وترج لمدة عدة أيام في درجة حرارة 25 – 30 مئوية ، مما يساعد على حل العنبرين . وبعدئذ تؤخذ الزجاجات من الآلة وتوضع جانباً مع رج عرضي حتى يتم الإنضاج . ثم يجري الترشيح قبل الاستعمال ببضعة أيام . إن إنضاج الخلاصة في حالة العنبر أكثر حيوية منه في أية مناقيع حيوانية أخرى . فالخلاصة الخام وغير المنضجة عديمة القيمة في صناعة العطور . والمحافظة على الناتج عند درجة الحرارة المذكورة أعلاه ، هي من أفضل الوسائل لتسريع النضج .
يقتصر استخدام خلاصة العنبر على تحضير العطور الفاخرة . فتضفي عليها نعومة لطيفة لا يمكن الحصول عليها بأية خلاصة أخرى .
ومن بين الخلاصات الحيوانية الأربع ، تحمل خلاصة العنبر الخصوصية الحيوانية الأدنى . وبينما يحمل المسك قوة انتشارية أسرع ، فإن العنبر يحمل استمرارية أطول . فإذا وضعنا على ورقة ماصة نظيفة محلول 3 % من كل خلاصة ، سيبقى المسك بضعة أيام فقط ، بينما سيبقى العنبر طوال أشهر .
تمتزج بعض عطور الأزهار الخفيفة مع العنبر وحده ، ذلك لأن رهافة رائحتها أكثر انسجاماً مع رائحة العنبر . أما العطور التي تحمل سمة أعمق فإنها تحتاج للمسك والزباد إضافة إلى العنبر . والعطور القوية Heavy كالشيبر Chypre والكهرمان فإنها تحتوي على زيت القندسCastoreun أيضاً . وصفة أخرى جديرة بالملاحظة لكل من المسك والعنبر هي عطرهما ذو الخصوصية الألدهيدية Aldehydic . تعتمد نسبة خلاصة العنبر التي تستخدم في العطر التام بشكل واســــع على خصوصيتها الذاتية وعلى ذوق صانعها .
ولا توجد قواعد صارمة وثابتة في هذا المجال . والخبرة هي الدليل الوحيد . فبينما يكفي مثلاً 1 % من هذه الخلاصة في عطر بخور مريم Cyclamen ، تكون ثلاثة أضعاف هذه الكمية مرغوبة في عطر الكاردينيا Gardenia .
إن كلفة خلاصة العنبر ليست ذات أهمية مادية كبيرة عند إضافتها للعطور الثمينة ، ولكن عندما يكون العطر المطلوب رخيص الثمن عندئذ يجب أن تدرس البدائل ، إما من وجهة نظر إنقاص الكمية جزئياً أو ربما باستبدال الخلاصة الحقيقية بشكل كامل بالكهرمانات الصنعية – التي تحمل رائحتها بعض الشبه برائحة العنبر . وكثير من هذه المنتجات تقوم على أساس الصمغ الراتنجي اللاذن Labdanum الإفراز الزيتي الراتنجي من أوراق عدة أنواع من نبات لحية التيس Cistus ، وهو نوع من فصيلة الورديات الصخرية Rock Rose Family . تنتشر هذه الشجيرات على نطاق واسع فوق الأرض الصخرية في البلدان المحاذية للبحر المتوسط . تختلف رائحة المحصول التجاري الناتج للعنبر البديل هذا بشكل ملحوظ ، بسبب اختلاف طرق المعالجة ، ويتم الحصول على أفخر أنواعه من شجيرات تنمو في إيسترل Esterel – وهي مقاطعة تمتد إلى الغرب من مدينة كان على الريفيرا الفرنسية . تستخرج بعض الشركات زيت الراتنج هذا بواسطة إتير البترول ، بينما يستخدم آخرون الكحول ، وتعرض هذه الكهرمانات التركيبية بأشكال صلبة ، وشبه صلبة وسائلة ، لكون الصمغ الراتنجي يمزج بحذق مع مواد كالزباد ، وزيت القندس ، وبلسم طولو والبيرو ، وراتنج أشنة البلوط Oakmoss ، والبنزوئين ، والبتشول ، والفانيلين ، والمسك الصناعي .
يتم الحصول على زيت قليل الاستعمال يحمل عند التبخر رائحة مميزة تشبه رائحة العنبر من الأوراق والغصينات الفتية لشجرة دائمة الخضرة في قبرص تدعى : Cupressus Semperviren
ولقد أشير لأول مرة بأن المركب الكيميائي الصرف والذي يحمل رائحة الكهرمان هو ألدهيد الأسيتيك نونيل ميتيل Methyl Nonyl Acetic Aldehyde الذي يحمل أيضاً نفحة أزهار البرتقال Orange Blossom عند التخفيف الأقصى . ويباع أحياناً كألدهيد الكهرمان .
تعرض في السوق اليوم أنواع من العنبر الصنعي منها :
إتير ميتيل أحادي نيترو ثنائي بروم بيوتيل ميتا كريزول
Methyl Ether of Mono Nitro- Di -Bromo -Butyl -m-Cresol .
ومنها بيتا نفتيل ألدهيد ديكاهيدرو
Deca-Hydro-B-Naphtyl-Aldehyde
ومنها5-6-7-8 تتراهيدرو-1-نفتيل أسيتالدهيد
5-6-7-8 Tetra-Hydro-1-Naphtyl-Acetaldehyde .
وإستر إتيل حمض فينيل غليسيد 2-4 ثنائي أيزو بروبيل
Ethyl Ester of 2-4 Di-Iso- Propyl Phenyl-Glycidic Acid
وحديثاً جداً طرحت بعض الشركات السويسرية في السوق مادة الغريز أمبرول Grisambrol، الناتجة بعد بحث طويل ومكثف ، رائحتها مطابقة تماماً لرائحة العنبر الطبيعي ، إلا أنها تحمل قوة واستمرارية وإن استعملت بكميات صغيرة في معظم العطور .
المقالات »