المقالات »

مذكرة مختصرة بالمكونات الأساسية لدراسة الجدوى الإقتصادية للمشاريع الاستثمارية

مقدمة :
إن الخطط الطموحة والأهداف التنموية لا تتحقق على الوجه الأكمل إذا لم يسبقها إعداد علمي سليم ويرافق تنفيذها متابعة ميدانية شاملة، بشكل يؤمن رسم الأطر العاملة للخطة وتحديد الإجراءات التنفيذية لتحقيقها ووضع البدائل المتعددة لكافة الحالات التي قد تنشأ أثناء التنفيذ العملي لها.
ولعل أحد الثغرات الرئيسية في عملية التخطيط الاقتصادي لكثير من المشاريع الصناعية كان ولا يزال غياب الدراسات الاقتصادية التبريرية لجدوى المشاريع الاستثمارية قبل البدء بتنفيذها، وانتقاء العروض المقدمة لتنفيذ هذه المشاريع دون الاستناد لتقييم علمي شامل لتكاليف وإيرادات كل عرض على حدة، مما أحدث خللاً كبيراً في تنفيذ كثير من المشاريع الاستثمارية ، تمثل بعده ظواهر أهمها :
1- أخطاء في تقدير حجم الاعتمادات المالية المخصصة للمشاريع الجديدة وطلب اعتمادات إضافية مرات عديدة قبل الانتهاء من تنفيذ المشروع، وقد تجاوزت الاعتمادات المضافة في بعض الحالات مبلغ الاعتماد الأصلي.
2- تنفيذ بعض المشاريع ذات الريعية القليلة وأحياناً بدون أية ريعية على الإطلاق.
3- رفض بعض العروض المقدمة لإقرار تنفيذ مشروع معين، لأسباب سطحية وهامشية أفقد المنشأة فرصاً اقتصادية ثمينة.
إن الدراسة العلمية المتكاملة لإقرار وتنفيذ مشروع استثماري جديد تتكون من المراحل التالية :
أولاً-المرحلة التمهيدية
وتهدف هذه المرحلة من الدراسة إلى التعريف بالمشروع الجديد من حيث حجمه ومستلزمات تشغيله وموقعه المناسب جغرافياً ويمكن تلخيص محتويات هذا الجزء من الدراسة بما يلي:
1- تحديد حجم المشروع والطاقة الإنتاجية السنوية له وإمكانيات زيادتها أو تجزئتها مستقبلاً إضافة لانتقاء طريقة الإنتاج المفضلة مقارنة مع الطرق الأخرى المتاحة ووضع قائمة تفصيلية بالمنتجات الرئيسية والثانوية لهذا المشروع ومدى انسجام المشروع وترابطه مع الخطة العامة للدولة.
2- تحديد المستلزمات الأساسية لتنفيذ المشروع (الآلات والمعدات وبقية الأصول الثابتة) ومستلزمات التشغيل أيضاً (المواد الأولية والقوى العاملة والخدمات الصناعية) ومدى توفرها محلياً وخارجياً.
3-الموقع المفضل لإقامة المشروع استناداً لتوجيهات الخطة العامة للدولة مع مراعاة توفر مستلزمات التشغيل والمرافق العامة الملازمة لتنفيذ المشروع ( الكهرباء والماء والمواصلات والسكن…إلخ ) .
4- الفترة الزمنية المقدرة لتنفيذ المشروع بأكمله وتوزيعها السنوي.
ثانياً- التقييم المبدئي للمشروع من الناحية الاقتصادية
وتعتبر هذه المرحلة الجزء الحاسم من الدراسة الاقتصادية للمشروع الجديد بحيث يتم استناداً لنتائجها إما متابعة تقييم المشروع بشكل نهائي من الجهات المختصة وذات العلاقة تمهيداً للبدء بتنفيذه أو تطوى إضبارة المشروع نهائياً إن كانت بيانات التقييم المبدئي غير اقتصادية.
ويستند التقييم الاقتصادي الأولي للمشروع الجديد إلى :
1- دراسة مالية وافية لتكاليف الاستثمار المتوقعة.
2- دراسة تفصيلية لتكاليف التشغيل السنوية وعلى مدى عمر المشروع.
3- إيرادات المشروع المقدرة خلال سني حياته كلها من خلال دراسة تنبئية لمبيعات منتجاته ولحالة الأسواق مستقبلاً.
ثالثاً- التقييم النهائي قبل تنفيذ المشروع
بعد ظهور نتائج الدراسة الاقتصادية الأولية لجدوى تنفيذ أي مشروع والمستندة أساساً لمفاضلة رياضية بين نفقاته الكلية وإيراداته المتوقعة تتم عملية تقييم نهائية وشاملة لموقع المشروع في التركيب الاقتصادي للمجتمع ولترابطاته الأمامية والخلفية مع مشروعات الخطة العامة للدولة وآثاره الاقتصادية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة مع المؤثرات الأساسية في المجتمع.
وعلى الرغم من أن المراحل الثلاث الأساسية السابقة للدراسة الاقتصادية لجدوى المشروع الاستثماري الجديد متكاملة ومترابطة وتستند الواحدة منها لنتائج سابقتها، إلا أن مسؤولية المنشأة الصناعية تنحصر بشكل رئيسي في إعداد المرحلة الثانية من الدراسة المنصبة على التقييم الاقتصادي لأي استثمار جديد من خلال المفاضلة بين إيراداته ونفقاته المتوقعة، أما المرحلة الأولى من الدراسة فهي موضوع إداري وإجرائي يتم إعداده في مقدمات الاقتراح الاستثماري بينما يقع عبء إجراء التقييم النهائي للمشروع على عاتق الجهة التي ترغب بإقامة المشروع.
ومن خلال ذلك سنحدد في هذه الدراسة الجوانب الأساسية لمكونات التقييم المبدئي لاقتصادية المشروع الجديد والتي تعتبر- كما أسلفنا- وظيفة من وظائف المنشأة الاقتصادية التي يعود لها تشغيل هذا المشروع مستقبلاً. إضافة إلى أن التقييم النهائي للمشروع يفترض وجود حالة عملية محددة لا يمكن دراستها إلا إذا توفرت كافة البيانات عن الوضع الاقتصادي العام في فترة تنفيذ المشروع وعن مكونات الخطة الاقتصادية والاجتماعية للدولة في نفس الفترة.
التقييم الأولي للجدوى الاقتصادية للاستثمارات
أولاً- تحديد التكلفة الاستثمارية للمشروع
تتكون التكلفة الاستثمارية لأي مشروع جديد من العناصر الرئيسية التالية التي تنفق في المشروع خلال كامل الفترة التي تمتد منذ اليوم الأول لتنفيذه ولغاية السنة الأخيرة من عمره الاقتصادي والتي يتم فيها استهلاك معظم موجوداته القابلة للتجديد والاستبدال :
1- رأس المال الثابت: ويشمل القيم المقدرة لكافة الموجودات المتوقع اقتناؤها في المشروع خلال سني عمره الاقتصادي سواء أكانت هذه الموجودات ثابتة أم متداولة، مادية أو غير مادية. ويراعى في تقدير قيم رأس المال الثابت ما يلي :
أ- أن يتم التقدير وفقاً للمفهوم المحاسبي لتكلفة الأصول الثابتة والتي تشمل إضافة لثمن الشراء كافة النفقات الأخرى من المترتبة على وضع الأصل في التشغيل الفعلي مثل نفقات النقل والشحن والتأمين والتخليص والتركيب…..الخ.
ب- أن يوزع التقدير على سنوات عمر المشروع سنة فأخرى بحيث يمكن حساب تكلفة رأس المال الثابت في كل سنة على حدة.
ج- أن يتم تحديد العمر الاقتصادي للمشروع بشكل علمي واستناداً لدراسات فنية وإنتاجية واقتصادية متكاملة.
د- أن تبوب وترقم مكونات رأس المال الثابت وفقاً للنظام المحاسبي ودليل الحسابات في الدولة التي سيقام فيها المشروع، وذلك ضماناً للتوحيد في مفاهيم ومضامين الاصطلاحات الاقتصادية المختلفة من جهة وطرق إعداد الدراسة الاقتصادية في كافة المنشآت من جهة أخرى.
هـ- أن يتم فصل التكاليف الاستثمارية إلى نفقات وبالعملة المحلية وأخرى بالقطع الأجنبي مع مراعاة اعتماد أسعار الصرف الرسمية المعلنة من قبل الجهات المصرفية لمبيع العملات الأجنبية في تاريخ إعداد الدراسة الاقتصادية.
2- رأس المال العامل: يتكون رأس المال العامل في المشروع من إجمالي قيمة مخزون المستلزمات السلعية مع الأموال النقدية الجاهزة اللازمة لتمويل العمليات الجارية فيه قبل بدء عملية التسويق ويراعى في تقدير قيمة رأس المال العامل ما يلي:
أ-تحديد قيم المستلزمات السلعية استناداً للحدود الدنيا من كل مادة على حدة أو حسب القوانين المتضمنة نظام محاسبة المواد ومراقبة المستودعات في الدولة التي سيقام فيها المشروع.
ب- تقدر الأموال الجاهزة اللازمة لتشغيل المشروع سنوياً بقسمة تكاليف التشغيل السنوية بعد طرح أعباء الاهتلاك وفوائد رأس المال وقيمة المستلزمات السلعية على عدد دورات رأس المال العامل في السنة.
ج- تستخرج عدد دورات رأس المال العامل بقسمة عدد أيام السنة 365 على عدد الأيام المنقضية بين تاريخ شراء المادة الأولية وتاريخ بيعها كمنتجات نهائية وحسب طبيعة كل مشروع وطرق الإنتاج والتسويق فيه.
د- ضرورة الالتزام بالتبويب والمفاهيم الواردة بالأنظمة المالية والمحاسبية النافذة للدولة التي سيقام فيها المشروع.
3- النفقات الاستثمارية المتممة: وتضم الإنفاق على بعض الخدمات المكملة والضرورية لتشغيل المشروع ومن أهمها :
أ- نفقات مقابل خدمات ومرافق مستأجرة.
ب- نفقات مقابل استثمار بعض المرافق والخدمات بالمشاركة مع مشاريع أخرى.
إن إجمالي النفقات الاستثمارية للمشروع تتكون من العناصر الثلاثة الواردة أعلاه والتي يجب أن تقدر سنة فسنة وتحدد وفقاً للضوابط المشار إليها آنفاً.
ثانياً- تكاليف التشغيل السنوية
تتضمن تكاليف التشغيل السنوية عادة أربعة بنود رئيسية وهي:
1- الأجور والرواتب، وتضم الأجور النقدية العينية ومساهمة المنشأة في مؤسسات التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية.
2- المستلزمات السلعية بكافة مكوناتها من خامات رئيسية ومساعدة وزيوت ووقود ومواد الصيانة ومواد التغليف والأدوات الكتابية والقرطاسية.
3- المستلزمات الخدمية والتوريدات الخارجية بكافة عناصره المفصلة بالنظام المحاسبي للدولة التي سينشأ فيها المشروع.
4- المصروفات التحويلية الجارية وعلى رأسها الاهتلاكات والضرائب. ويراعى في تقدير تكاليف التشغيل السنوية ما يلي:
أ- يتم التقدير سنة فأخرى وبالتوازي مع تقدير النفقات الاستثمارية.
ب- تقدر تكلفة المستلزمات السلعية بثمن الشراء مضافاً له كافة النفقات المتممة حتى وصول المادة إلى مستودعات المشروع.
ج- الالتزام بالتبويب الوارد بالنظام المحاسبي للبلد الذي سينشأ فيه المشروع.
ثالثاً- الإيرادات المتوقعة
يعتبر تقدير موارد المشروع المتوقعة جزءً رئيسياً وهاماً من دراسة الجدوى الاقتصادية له. واستناداً لنتائجها يتم تحديد الحجم الأمثل للمشروع والطاقة الإنتاجية الممكن تشغيلها وبالتالي تقدير تكاليف الاستثمار والتشغيل معاً.
لاشك أن عملية تقدير الإيرادات المستقبلية للمشروع يجب أن ترتكز إلى دراسات تسويقية شاملة لمبيعاته ولأسواق التصريف المحتملة. وكلما كانت هذه الدراسات التسويقية دقيقة ووافية كلما أمكن الاقتراب بالتقديرات من الواقع الفعلي، لذا يجب الاهتمام بهذا الموضوع وإرفاق أية دراسات استثمارية أخرى عن الأسواق المحلية والخارجية التي يحتمل أن تدخلها منتجات المشروع الجديد.
ويراعى في تقدير إيرادات المشروع المتوقعة ما يلي:
أ- تضم الإيرادات قيم المبيعات المنتظرة إضافة لإيرادات التشغيل للغير وقيم الخدمات المباعة.
ب- من الضروري التمييز بين الإيرادات بالعملة المحلية وبين إيرادات القطع الأجنبي ويراعى في تسعير القطع ما ورد في عمليات الشراء.
د- أن يتم تقدير الإيرادات كل سنة وبالتوازي مع تقدير تكاليف الاستثمار والتشغيل على أن يضاف لإيرادات السنة الأخيرة من عمر االمشروع قيمة الأصول التي لم تستهلك بعد، وقيم الأصول المستهلكة كخردة وكامل قيمة راس المال العامل.
رابعاً- حساب الريعية والمفاضلة بين البدائل
بعد توفر بيانات كافية عن تكاليف الاستثمار والتشغيل والإيرادات المتوقعـــة
للبدائل الاستثمارية المطروحة لمشروع واحد يتم انتقاء الحل الأمثل من الناحية الاقتصادية وذلك بإعداد جدول لهذه الغاية يمكن أن يأخذ الشكل التالي:
سنوات عمر المشروع تكاليف الاستثمار تكاليف التشغيل الأرباح

“في حال كون الربح موجباً يعتبر المشروع اقتصادياً، وبمقارنة هذه النتيجة لعدة بدائل يمكن اختيار الأفضل اقتصادياً وبشكل رقمي”.
هذا على مستوى أصحاب المنشأة ومن جهة نظرهم، أما على مستوى الدولة ومن جهة نظرها فإنها، ولأمور عديدة، لا تنظر إلى كون المشروع رابحاً واقتصادياً فحسب، بل يهمها جداً أن تعطي نتائج دراسته من الوجهة الاجتماعية ما ترجوه الدولة في هذا المجال والتي لا تقل شأناً وأهمية عن نتائج جدواه الاقتصادية، وذلك لتعدد الجوانب التي تنشأ عن إقامة هذا المشروع وأهمها:
1- امتصاص جزء من اليد العاملة والإقلال من نسبة البطالة.
2- زيادة الدخل الوطني للفرد والارتفاع بمستوى حياته المعيشية والاجتماعية.
3- توسيع قاعدة الأطر الفنية والصناعية العاملة.
هذا ومن جهة نظر استراتيجية بحتة فإن الدولة لا تنظر إلى بعض مشاريعها إلا من هذه الوجهة مع غض النظر عن جدواها الاقتصادية، والاجتماعية أيضاً.


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,