المقالات »

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الطاعون والأوبئة، والاحتراز منها

عن عامر بن سعد بن أبي وَقّاصٍ، عن أبيه : “أنه سمعه يسألُ أُسامةَ بن زيدٍ : ماذا سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الطاعون ؟ . فقال أسامةُ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطاعونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ على طائفةٍ من بني اسرائيلَ ، وعلى من كان قبلكم ؛ فإذا سمعتم به بأرضٍ : فلا تدخلوها ؛ وإذا وقع بأرضٍ- وأنتم بها – فلا تخرجوا منها فراراً منه ” . أخرجه البخاري ومسلم .
والطاعون من حيث اللغةُ : نوعٌ من الوباء , يكثر في البلاد الوبيئة ، عُبّر عنه بالوباء ؛ كما قال الخليل : “الوباء : الطاعون” . وقيل هو كل مرض يعم .
والتحقيقُ : أن بين الوباء والطاعون عموماً وخصوصاً ؛ فكلُّ طاعونٍ وباءٌ ، وليس كلُّ وباءٍ طاعوناً . وكذلك الأمراضُ العامة : أعمُّ من الطاعون ؛ فإنه واحد منها.
والطاعونُ يعبر به عن ثلاثة أمور:
(أحدها) : الأثر الظاهر ؛ الذي ذكره الأطباء .
(والثاني) : الموت الحادث عنه .
(والثالث) : السبب الفاعل لهذا الداء.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه ؛ كمال التحرز منه . فإن في الدخول في الأرض التي هو بها : تعريضاً للبلاء ، وهذا مخالف للشرع والعقل .
وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي وقع بها، عدةُ حكم :
(أحدها) : تجنب الأسباب المؤذية ، والبعد منها .
(الثاني) : الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد .
(الثالث) : أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد؛ فيمرضون .
(الرابع) : أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك ؛ فيحصل لهم بمجاورتهم ، من جنس أمراضهم .
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الخروج من بلده ، ففيه معنى عظيم : هو عدم نقل الوباء إلى أماكن أخرى .
وفي سنن أبي داوود مرفوعاً : ” إن من القرف التـلـفَ” . قال ابن قتيبة : القرف : مداناة الوباء ، ومداناة المرضى .
وفي الصحيح : “أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسَرْغٍ لقيه أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه : أن الوباء قد وقع بالشام . فقال عمر لابن عباس : ادع لي مَنْ هَهُنا من مشيخةِ قريشٍ , من مهاجرة الفتح . فدعوتهم له ، قالوا : نرى أن ترجع بالناس ، ولا تقدمهم على هذا الوباءِ .
فَأَذَّنَ عمر في الناس : إني مصبحٌ على ظهرٍ، فأصبحوا عليه . فقال أبو عبيدة بن الجراح : يا أمير المؤمنين ؛ أفِراراً من قدر الله تعالى ؟!. قال : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ؛ نعم نفرُّ من قدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى .

المرجع : كتابي : مختصر كتاب الطب النبوي لإبن قيم الجوزية – ( 691 -751هـ 1292- 1350 م ) – طبع وتوزيع دار الغزالي في دمشق


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, , ,