غدا السبت السابع والعشرين من شهر مايس ( أيار ) للعام الميلادي 2017 سيكون أول أيام شهر رمضان المبارك إن شاء الله , الذي قال عنه رسول الله ﷺ : أوله رحمة , وأوسطه مغفرة , وآخره عتق من النار
قال تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [ سورة البقرة الآية ( 183 ) .
في هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى أن الصيام عبادة قديمة ، كتبها الله علينا وعلى الأمم الذين من قبلنا من عهد آدم عليه السلام إلى أن ختمت الرسالات بخاتم النبيين محمد ﷺ . فكان ركناً من كل دين . والمعروف أنه مشروع في جميع المِلل حتى الوثنية . فهو معروف عند قدماء المصريين في أيام وثنيتهم ، ومعروف عند اليونان ، والرومان ، ولا يزال وثنيو الهند وغيرهم يصومون حتى الآن .
وثبت أن موسى عليه السلام صام أربعين يوماً . وينقل أن التوراة فرضت على اليهود صوم اليوم العاشر من الشهر السابع وأنهم كانوا يصومونه بليله . ولعلهم كانوا يسمونه عاشوراء .
وأشهر الصوم عند النصارى الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح . وكان يصومه عيسى عليه السلام . والحواريون رضي الله عنهم .
والإمام ابن كثير يذكر تقسيماً لطيفاً يدل على أن صيامنا نحن المسلمين مرّ بثلاث مراحل حتى انتهى إلى ما هو عليه الآن :
المرحة الأولى : وفيها يقول ابن كثير ” قدم رسول الله ﷺ المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء . فقال :” ما هذا ” فقالوا : ” يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم ” فصامه موسى فقال ﷺ : « أنا أحق بموسى منكم » فصامه وأمر بصيامه , ولما نزل فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة نسخ صيام هذه الأيام .
وأما المرحلة الثانية : ففيها يقول ابن كثير .
” ثم إن الله فرض صوم رمضان ، وأنزل الله تعالى قوله : ] يا أيها الذين كتب عليكم الصيام [ إلى قوله : ] فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ .
وهي آيات ثلاث ، لم تنزل مرة واحدة . بل نزلت الآيتان الأوليتان ثم نزلت الثالثة على حسب ما كان من تدرج الصيام .
1 – فالآيتان الأوليتان هما قوله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذي يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون [ سورة البقرة الآيتين ( 183 – 184 ) .ومن معناها أن للمريض والمسافر أن يفطر في رمضان ثم يصوم أياماً أخرى بعدد التي فطرها بعد زوال المرض أو بعد العودة من السفر . أما من ليس مريضاً ولا مسافراً وهو المقيم الصحيح الذي يطيق الصيام فهو بالخيار : إذا شاء صام . وإذا شاء أفطر على أن يخرج الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم يفطر فيه .
ثم نزلت الآية الثالثة بعد ذلك وهي قوله تعالى : ] شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ سورة البقرة الآية ( 185 )
ويلاحظ أن هذه الآية لم تذكر شيئاً عن الذين يطيقونه .
ومن هنا روى البخاري أن هذه الآية نسخت التي قبلها . وألزمت القادرين على الصيام أن يصوموا ولابد « فمن شهد منكم الشهر فليصمه » ولم يعد لأحدهم خيار فيما كان له من قبل .
وأما المرحلة الثالثة التي مر بها الصوم :
فهي خاصة بتحديد الأوقات التي يمسك فيها الصائم . والأوقات التي يباح له فيها المباح . فقد كان على الصائمين إمساكُ الليل . كما عليهم إمساك النهار .
ـ كان الرجل إذا صلى العشاء لزمه الإمساك عن الطعام والشراب وغشيان النساء . وكان إذا نام ( ولو قبل العشاء ) ثم استيقظ لزمه أيضاً الإمساك عما تقدم.
فكلٍ من صلاة العشاء والنوم كان يلزمان الرجل بأن يمتنع عن الأكل والشرب والجماع سائر ليلته ويومه التالي حتى يمسي وكان ذلك شاقاً على المسلمين الأولين .
فقد حدث أن قيس بن مروة الأنصاري . كان صائماً وكان يومه ذلك يعمل في أرضه ودخل منزله عند الإفطار فقامت زوجته تعد له فطوره . فلما عادت وجدته قد استغرق في نومه . فلما استيقظ أمسك عن الأكل طول ليله . فلما انتصف النهار ساءت حالته وغشي عليه فذكر ذلك للنبي r فأنزل تعالى قوله : ] أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن [ إلى قوله : ] فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل [ سورة البقرة الآية ( 187 ) . ففرحوا بها فرحاً شديداً .
ذلك هو الصيام الذي كتبه الله علينا . وتلك أطواره التي تنقل فيها حتى انتهى إلى مواقيته وأحكامه المعروفة .
وللصيام عند الله منزلة كبيرة بين سائر العبادات والأعمال وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :
« كل عمل ابن آدم مضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به , يدع شهوته وطعامه من أجلي » .
وروى الشيخان أن رسول الله ﷺ قال لما حضر رمضان : « أيها الناس قد جاءكم شهر عظيم مبارك افترض الله عليكم صيامه . تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر » .
وقال أيضاً : « من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفرله ما تقدم من ذنبه »
والصيام في اللغة معناه الإمساك عن الشيء .
يقال صام الرجل عن الكلام إذا صمت وأمسك عنه ومنه قوله تعالى على لسان مريم عليها السلام ] إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً [ سورة مريم الآية ( 26 ) .
أما الصوم في الشريعة : فهو الإمساك عن الأمور التي حظرها الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية عبادة الله وطاعته .
وقد فرضه الله علينا بقوله : ] شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ سورة البقرة الآية ( 185 ) .
وهو أحد أركان الإسلام الخمسة بقوله ﷺ : « بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامة الزكاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً »
وقد فُرض صيام رمضان يوم الاثنين الثاني من شهر شعبان للسنة الثانية من الهجرة . ويثبت أول رمضان برؤية هلاله ويثبت آخره برؤية هلال شوال .
وفي ذلك يقول ﷺ « صوموا لرؤيته . وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها , فإن أغم عليكم فأكملوا ثلاثين » رواه النسائي .
فإذا تعززت رؤية هلال رمضان لعدم مواتاة الأحوال الجوية بسبب وجود غيوم أو نحوه . وجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً .
وإذا تعززت رؤية هلال شوال لنفس الأسباب وجب أكمال رمضان ثلاثين يوماً .
لقوله ﷺ « إذا رأيتم الهلال فصوموا . وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإذا غمّ عليكم فعدو ثلاثين يوماً » رواه مسلم .
وفي حديث فأقدروا له « أي استدلوا عليه بمنازله وقدروا إتمام الشهر بالحساب والفلك » .
ويقول ابن شريح : إن قوله ﷺ : أكملوا العدة ثلاثين , هو خطاب للعامة حين الغيم وليس لهم دراية بعلم المنازل . أما من أوتوا هذا العلم فخاطبهم ﷺ بقوله : فأقدروا له , أي قدروا له منازل القمر فإنها تدلكم وتبين لكم أن الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون .
وإذا رؤيا الهلال في جهة من الجهات وجب على كل بلد تقع على نفس خط طول واحد أن يصوموا بصومهم .
ويشترط في الصيام النية . والنية عمل من أعمال القلب ولا يشترط فيها النطق باللسان على مذهب أبي حنيفة ويكفي حضور العزم بها في السريرة بقوله ﷺ : إنما الأعمال بالنيات . أما عند الشافعي فلا بد من النطق بها باللسان .
أسأل الله عز وجل أن يعيده بالخير والبركة والسلام والسعادة على جميع خلقه وعباده
المقالات »