على جناح الذكرى
من ملامح تأسيس الاتحاد العربي للسكر في الخرطوم
* في شهر يناير( كانون الثاني ) لعام 1972 وكنا مجموعة من خبراء صناعة السكر العرب في دعوة لمدينة الخرطوم بمناسبة إنشاء الاتحاد العربي للسكر الذي دعى لإنشائه المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية وجعل مقر الاتحاد الخرطوم , وكنت أحد الثلاثة المؤسسين لهذا الاتحاد , حيث زرنا كافة مصانع السكر العربية من المغرب العربي إلى الجزائر إلى تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى السودان إلى لبنان إلى سورية إلى العراق .
* وأقيم في مقر مجلس الامة ( البرلمان ) السوداني حفل الافتتاح وبحضور السيد ( النميري ) رئيس الجمهورية , والسفراء العرب , حيث التقيت بعد حفل الافتتاح بسفير سورية في السودان { السيد إشتيوي سيفو } أبو مازن , وتوطدت بيني وبينه الصلة والمحبة لسنوات حيث أصبح بعد ذلك وزير الصناعة في سورية , ودعاني في عام 1975 لأكون مدرس مادة تكنولوجيا صناعة الاسمدة في ( المعهد المتوسط للأسمدة ) في حمص التابع لوزارة الصناعة , حيث كان مدير المركز السيد رامز خسرف , ثم من بعده السيد محمد المحمود , وأحمل في ذاكرتي عنهما كل ذكرى جميلة وطيبة , وبقيت أدرس هذه المادة لمدة 6 سنوات حتى عام 1980 وألفت خلالها كتاب عن تكنولوجيا صناعة الاسمدة دعوته لغاية في نفس يعقوب : ( كتيب الاسمدة ) رغم أنه ينوف عن ألف صفحة . وموجود بموقعي في الأنترنت . وفي عام 1976 دعاني السيد سيفو إلى جانب ذلك أن أكون عضوا في لجنة إنجاز مصنع خميرة العجين بحمص , حيث كان المدير العام لشركة سكر حمص آنذاك الأخ الحبيب السيد ( منيف أبو إليان شهلا ) والذي لاتزال محبتي وأخوتي وصداقتي معه حتى تاريخه أطال الله في عمره , وفي عام 1980 عندما تركت التدريس في المعهد دعاني السيد الوزير سيفو لأكون عضوا في لجنة إنجاز مصنعي سكر مسكنة والرقة ورئيس لجنة التشغيل والاستلام فيهما . وكان المدير العام لمؤسسة السكر في سورية آنذاك ) عابد إسماعيل ) رحمه الله , الذي كان بيني وبينه مودة ومحبة وذكريات خاصة .
* في حفل العشاء الذي أقامه على شرفنا وزير الصناعة السوداني آن ذاك السيد الدكتور المهندس عبد الرحمن العاقب في فندق أوكسيلوسيور .
* كنت أجلس على طاولة العشاء مع أمين عام الإتحاد العربي للسكر السيد الدكتور { عثمان أبو زيد } والأخ العراقي العلامة ( سالم طاهر ) مدير الانتاج في مصنع سكر الموصل , سألت الدكتور عثمان هل عندك أولاد ؟ , قال لي ابنة اسمها ميسون , قلت له هذا اسم غريب في السودان , قال أحببت هذا الاسم من بلدكم الشام , لأنه اسم زوجة الخليفة ( معاوية بن أبي سفيان ) البدوية التي تركت معاوية وصفة السيدة الاولى كما يقال اليوم , عائدة للبادية وتاركة له قصيدة طويلة تقول له فيها :
لبيت تخفق الارياح فيه …. أحب إلي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني …. أحب إلي من لبس الشفوف
* فانقلبت جلستنا إلى جلسة نتسامر فيها بالشعر , وكان السيد وزير الصناعة يتنقل بجلساته من طاولة إلى أخرى تسلية وإكراما للضيوف والسفراء … وبينما نحن في غمرة الشعر , وكل يدلي بدلوه وما يحفظ من غريب وجميل الشعر . إذا دخل المطعم رجل طويل ضخم مهيوب , فسعى إليه السيد وزير الصناعة مرحبا به وآخذ بيده إلى طاولتنا , وقال له : ستكون مسرورا بجلوسك على طاولة علماء وشعراء مثلك .
* فرحبنا به وجلس معنا , وبتبادل التعارف قال : أنا اللواء الطبيب الشاعر ( عبد الله قلندر ) محافظ الخرطوم . وقال إن مجلة الهلال المصرية ستنشر لي قصيدة أعبر فيها عن عميق إيماني بالله الخالق والمسير لهذا الكون .
* تابع كلامه قائلا : هذه القصيدة كتبتها عندما كنت طبيبا مناوبا في إحدى مستشفيات التوليد في لندن بإنكلترا , فجاءت المشفى في منتصف الليل فتاة لا يتجاوز عمرها العشرين جاءها الطلق وهي في شهرها حملها الاخير , وعندما كشفت عليها , وجدت أنها لا يمكن أن تلد طبيعيا لضيق المجرى والمهبل ولا بد من عملية قيصرية للولادة , ولما رأوني أجنبي أسود اللون , لم يطمئنوا لما قلت , فطلبوا مدير المشفى الانكليزي , الذي عندما جاء وكشف عليها أكد كلامي , وطلب من زوجها أن يأتي لغرفته ليوقع إقرار الموافقة على العملية القيصرية , وما كاد يوقع ويخرجا من الغرفة إذ بالممرضة من غرفة الفتاة الولادة تركض وهي فرحة متعجبة , قائلة لقد ولدت الفتاة الحامل غلامها البكر ولادة طبيعية ربانية وقذفته من رحمها بدون مساعدة أحد , وبدون تحريض أو عملية ولادة قيصرية , فقلت حينها : سبحانك يا رب علمنا ومعرفتنا شيء , وعلمك ورحمتك فوق كل شيء .
* تابع السيد المحافظ قوله : هذه القصيدة حوالي أربعين بيتا أعارض فيها أبو العلاء المعري الذي يقول :
تحريت لم أدري امام الحقائق ….. أأني خلقت الله أم هو خالقي
فقلت في مقدمة قصيدتي :
ركعت خشوعا للذي هو خالقي ….. وسبحت تكبيرا أمام الحقائق
ولدنا .. وفي ميلادنا كل لحظة ….. دليل على إعجاز رب وخالق
وأمعنت في الدنيا وآياتها التي ….. تحيرنا مهما سمونا …. بخارق
طبيعة كون قد تجلى كمالها ….. وكونها الرحمن …. تكوين واثق
سأنشر قصيدة السيد اللواء الطبيب الشاعر عبد الله قلندر كاملة في منشور آخر بإذن الله