في مثل هذا اليوم من شهر آذار لسنوات خلت , فارقت ابنتي الكبرى , المعلمة مربية الأجيال : شمس الهدى كاخيا الدنيا , ولبت نداء ربها عز وجل في عيد المعلم , بعد ماعانت من مرضها ماعانت , وصبرت على آلامها وأوجاعها سنوات طوال , راجية رحمة الله تعالى وأجر الصابرين , وقد تركت لي هذه المقالة في مذكراتها . لأذكرها كلما نسيتها , لكن كيف أنساها وهي : شمس , إسم على مسمى في حياتي , تشرق وتغرب كل يوم . قائلاَ لها أحبك يا إبنتي , أحبك ياشمس , وأسأل الله أن يجمعني معك وأخوك في مستقر رحمته .
كتبت في دفتر مذكراتها تقول :
عندما طُلب مني أن أكتب رأيي عن والدي , لم أعرف ماذا أكتب , ولا عن ماذا سألتم , لأنني مهما كتبت ومهما عبرت ستبقى الكلمات عاجزة عن التعبير عن صفاته وأخلاقه ومعاملته لنا وللناس أجمعين . ومهما كتبت عنه لن أوفيه حقه , ولن أستطيع وسأظل قاصرة تجاهه , ومهما كتبت سيعجز قلمي عن كتابة مشاعري وحبي الكبير له , فالمشاعر لا يمكن أن تكتب , ولا يمكن أن توصف كما هي في الداخل , وانعدام القدرة على التعبير دليل على عظمة المُعبر عنه .
ولكن الذي يمكن أن أقوله بأن كلمة بابا في الحقيقة صغيرة جداً , مكونة من حرفين فقط , فما أقل حروفها , ولكن معناها كبير وكبير جداً , يتسع ويتسع جداً ليشمل الكون كله . إنه ذلك الكائن الجميل , الطيب القلب , الدائم الدعاء والعطاء , النبع الذي لا ينضب من الحب والحنان , وهو المرافق لنا بعد أن جئنا إلى الدنيا وإلى أن نغادرها , وهو المرشد والموجه لنا في كل شيء , وهو العقل الذي فتحت له منابيع المعرفة من جميع جهاتها .
إنه سعيد في حياته والسبب يعود بقناعة ما رزقه الله , والتطلع بنفس منبسطة ومتفائلة إلى ماهو أفضل , والسير إلى الافضل بخطى ثابتة مدروسة ومبرمجة . والإنسان متى سار على الصراط المستقيم وصل إلى ماتصبو إليه نفسه , وهو لايفكر في نفسه , وإنما يفكر دائماً بغيره , والإنسان إن فكر بنفسه فقط يكون تعيساً , وإن فكر بغيره يكون سعيداً , ومن هنا تكمن سعادته . وهو يشعر بالسعادة كلما رأى أسرته وأولاده ومن يهمه أمرهم , بصحة كاملة , ويتابع مسعاه ليوفر لهم ما هو أفضل وأكمل .
إنه رجل لا يدرك الهزيمة , بل يدرك الصبر والتأني , ويرفع راية الحب والسلام , ويبعد سهام الكره والشر عن جميع الناس .
والدي هو أعظم من حمل هذا اللقب , وهو أقدس وأعظم رجل في العلم . إنه النغم الحلو الذي يغسل عن قلبي أوراق الحزن , وهو القلب الذي ينقلني فوق قطار الأمل إلى كل رياض الدنيا , ويحلق بي في الآفاق , ويعلمني كيف يكون حب الناس , وكيف يكون الإحساس الصادق , وكيف يكون الإخلاص والوفاء .
هو نسمة عليلة تعطر دربي الشائك , ونجمة قطبية تنير ليالي الظلمة , وشمساً ساطعة تشع نوراً ودفئاً وهناء في سمائي , هو الأمان في حياتنا , والحنان في وجداننا , هو الشمعة التي تظل مشتعلة في طريقنا . وهو القمر الذي لا يأفل .
إنه ملك عظيم تربع على عرش قلبي , بل تربع علي عرش جميع الناس , وملك حنون , وقلب حنون , يحب الخير لجميع الناس, وهو المنار الذي يدل الناس على الطريق الصحيح .
وأخيراً ياوالدي إعذرني لأني لم أفيك حقك , فكلما حاولت أن أكتب , تبدأ كلماتي بالركوع تحت قدميمك , وأود أن أخرج إلى العالم وأصرخ بأعلى صوتي :
أحبك ياأبي …أحبك يا والدي
إبنتك : شمس الهدى كاخيا
المقالات »