{{ إلى الأستاذ الباحث محمد فيصل شيخاني المحترم : يسرني ويسعدني أن أبعث إليكم بجواب ما طلبته مني بشأن بيان رأيي بشخصية الأستاذ طارق إسماعيل كاخيا حفظه الله }} .
قبل كل شيء أقول أنني مهما كتبت عنه فإنني أعتقد جازمة أنني لا أوفيه حقه , ولا أستطيع أن أصف شخصيته الفذة من كل جوانبها , لتعدد مواهبه ومجالات نشاطه كما هو معلوم لكل من عرفه حق المعرفة .
لقد تعرفت على شخص الأستاذ طارق صدفة في أبو ظبي أواخر عام 1987مع مجموعة من الشخصيات العلمية ورجال الأعمال أثناء لقاء علمي نظمه الاتحاد العربي للصناعات الغذائية حول صناعة الصابون والمنظفات الصناعية وآفاق التعاون بين البلاد العربية لهذه الصناعة , وهو أحد الاتحادات النوعية التابع لمجلس الوحدة الاقتصادية للجامعة العربية . فلم أجد في حينه شخصية امتلكت حب الوطن العربي والإصرار على تقديم المعرفة والخبرة للبلاد العربية كما وجدته في شخص الأستاذ طارق .
وصادف موعد انعقاد المؤتمر عيد الوحدة الوطني لاتحاد الإمارات العربية , وفي برنامج ليلة ختام المؤتمر كان على بعض المندوبين إلقاء كلمات , فتحمس الأستاذ طارق وطلب من رئيس المؤتمر إلقاء كلمة ولم يكن في برنامج المؤتمر له ذلك وفوجئ الجميع بعد أن وافق رئيس المؤتمر له باعتلاء المنصة أن ألقى قصيدة عفوية يهنئ الحضور بعيد الوحدة الوطني لدولة الإمارات العربية ويشكر فيها المنظمين للمؤتمر ويشرح فيها التوصيات والقرارات , فكان لها وقع كبير على نفسي ونفوس الحاضرين , ومما أذكر كان مطلعها :
حيي العروبة أبناء و أحفادا وافخر بقومك آباء وأجدادا
في عيد وحدتكم جئنا نحييكم فبارك الله فيكم خير أحفادا
وختمها بقوله :
من دمشق العروبـة أحيـي عـدن فمكنـاس فبغـدادا
وكانت حكومة عدن وقتها ترغب بإقامة مشروع لإنتاج الصابون بأنواعه والمنظفات بأنواعها , وعندما عرض السيد طه شاكر رئيس الوفد اليمني ونائب وزير الصناعة والتجارة والتموين لشؤون الصناعة ذلك على الخبراء والعلماء العرب المشاركين في المؤتمر طالباً منهم النصح وتقديم دراسة لهذا الموضوع علمياً وفنياً واقتصادياً , وبين لهم أنه في السابق تم تكليف شركة دراسات إنكليزية التي قدمت دراستها وتقريرها بعد أن بقي خبراؤها أشهراً عديدة في عدن وتم استدراج عروض للمصنع بناء على هذه الدراسة , ولكن التقرير لم يكن واضحاً وكافياً وكذلك العروض .
فما كان من الأستاذ كاخيا إلا قال للأستاذ شاكر: أنا مستعد لذلك وسأكون لكم بإذن الله الناصح القوي الأمين ,
وما كان من الأستاذ طه شاكر إلا أن وجه دعوة رسمية للأستاذ كاخيا لزيارة عدن والذي قبل هذه الدعوة , وجاء عدن وقدم دراسة جدوى اقتصادية للمشروع على ضوء المستجدات , مع دراسة وإعادة تقييم الدراسة الإنكليزية السابقة , ومع وضع دفتر الشروط الفنية والقانونية لهذا المصنع , وتم إعلان عطاء عالمي للمصنع , وتقدمت شركات أجنبية عدة بعطاءاتها وعروضها , وكان الأستاذ كاخيا أحد أعضاء اللجنة المكلفة بدراسة هذه العروض .
وبغية استكمال الدراسة دعا الأستاذ كاخيا كل من الأستاذ طه شاكر معاون الوزير لشؤون الصناعة والسيد عبد الله باحنان رئيس دائرة العقود في الوزارة لزيارة بعض الشركات والمصانع المنتجة والمهتمة بمثل هذه الصناعة في الدانمارك والسويد واستضافهما هناك في بيته في مدينة هلسنجبورج في السويد .
ثم توطدت علاقة السيد كاخيا خلال زياراته المتكررة والمتعددة لعدن من عام 1987 م وحتى عام 1993 م مع العديد من المسؤولين والتجار ورجال الأعمال في عدن وغيرها من مدن الجنوب اليمني , وهذه صفة مميزة فيه , فهو لا يلتقي بإنسان إلا وتستمر علاقته به بكل مودة واحترام ومحبة وتقدير قائلاً : إن الله يسأل عن صحبة ساعة , فكيف بأيام وأشهر وسنوات .
وكان أن قدم العديد من دراسات الجدوى الاقتصادية للعديد من المشاريع الصناعية للعديد من المستثمرين اليمنيين في عدن , منها :
دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع إنتاج النشاء والجلوكوز وأغذية الأطفال من حبوب الذرة بأنواعها .
دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع إنتاج أخشاب البناء والأثاث والخشب المضغوط والخشب المعاكس من جذوع الأشجار المستوردة من ماليزيا وأفريقيا.
ولكن للأسف فإن كل هذه المشاريع التي قام بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لها لم تر النور بسبب قيام الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي .
فمن لقاءاتي المتعددة معه خلال زياراته المتعددة لعدن , أو من خلال زياراتي المتكررة لحمص حيث كنت أشارك في بعض المؤتمرات والندوات العلمية التي تقيمها جامعة البعث , أو نقابة المهندسين السوريين , أو الجمعية الكيميائية السورية , إضافة لقيامي بأبحاث مشتركة مع بعض الدكاترة في كلية الهندسة الكيميائية والبترولية بجامعة البعث بحيث تتطلب حضوري المتكرر لحمص في كل عام مرة أو مرتين , فكنت ولا بد أن ألتقي بالأستاذ كاخيا في عدن أو في حمص , وحتى إذا عزّ اللقاء كنت أراسله لسؤاله عن الكثير من الأسئلة العلمية والتي ما كنت أجد جوابها إلا عنده . وفي كل لقاء كنت أجد عنده أبحاثاً ومؤلفات جديدة لم تكن عنده من قبل , فهو واسع المعرفة , وغزير الإنتاج والتأليف .
ومن معرفتي به خلال هذه السنين الطوال اكتشفت فيه أشياءً وسماتاً وخصائصاً لم أجدها قط في أية شخصية عربية وأجنبية قابلتها طيلة حياتي العلمية والعملية. فلقد جمع العديد من الصفات الإنسانية الجليلة, شخصية الإنسان الورع الملتزم بدينه الإسلامي وقيمه ومبادئه , وهذا ما عرفته من اطلاعي على العديد من مؤلفاته الدينية . كما جمع بين الإنسان العالم والمحب للمعرفة والاطلاع , وعرفت هذه السمة من خلال العديد من مؤلفاته العلمية في مجال الكيمياء وغيرها من العلوم واهتماماته المتعددة في هذا العلوم.
كما أن الصفة المميزة للأستاذ طارق كما قلت سابقاً هي :
إصراره على التواصل , واحترامه للمواعيد , ووفاءه للوعود , وتقديمه الخبرة لمن يحتاجها والمعرفة لمن يريدها بدون أي مقابل .
وفي لقائي معه خلال فترة إقامتي في حمص خلال أواخر شهر آذار وأوائل شهر نيسان لعام 2003م لمتابعة بحثي المشترك مع بعض الدكاترة في كلية الهندسة الكيميائية والبترولية بجامعة البعث أكبرت واكتشفت فيه أمران لم أكن أعلمهما عنه في السابق وهما :
الأمر الأول : محبته للتأريخ والتراث وتسجيل الأحداث وتوثيقها , وهذا ما فاجأني به عندما أهداني : نسخة من محاضرته مع جمعية العاديات بحمص عام 2002م حول : الكيمياء عند العرب . ونسخة عن محاضرته مع جمعية العاديات بحلب عام 2002م أيضا حول دور الكيمياء في الكشف عن الآثار وحفظها . ونسخة من كتابه : معالم وأعلام من حمص الشام في القرن العشرين الذي ألفه بالمشاركة معك . كما أطلعني على مسودة مؤلفه بعنوان : الإصابة في من نزل بحمص من الصحابة .
والأمر الثاني : محبته للجهاد ونصرة أمته وتقديم العون والخبرة للمجاهدين وأهل انتفاضة الأقصى في فلسطين فيما يحتاجونه من تركيبات كيميائية ودوائية وغيرها هم بحاجة إليها من مواد أولية متوفرة بحوزتهم في كل مكان , وقد أطلعني على نسخة من أماليه في هذا الموضوع قائلاً عندما وجدني مستغربة ذلك : إن السهم ليثاب به ثلاثة نفر : الذي صنعه , والذي نقله , والذي رمى به .
وإجمالا لقد جمع الأستاذ طارق خصالا حميدة يفخر بها الإنسان , وأملي أن يقتدي به الشباب السوريون خاصة , والشباب العرب عامة .
أضف إلى ذلك إحساسه المرهف والذي يعبر عنه في قصائده الشعرية تجعل الإنسان أسير هذه الشخصية التي جمعت بين العلم والأدب والشعر والجهاد فاستحق بذلك اللقب الذي دعاه به الكيميائيون العرب بأنه شيخ الكيميائيين .
ولا عجب أن قام كلن من الأمين العام لاتحاد الكيميائيين العرب الدكتور العراقي السيد {{ رعد كاظم مصلح }} ** ورئيس جامعة البعث الدكتور الكيميائي {السيد ياسر حورية } ** والدكتور المهندس { تامر الحجة }عميد كلية الهندسة بجامعة البعث وأمين فرع حزب البعث بحمص ** من خلال أعمال المؤتمر الكيميائي العربي الحادي والعشرين والذي أقيم في رحاب جامعة البعث بحمص عام 2001م بتكريمه لما قدمه للجمعية الكيميائية السورية وللكيمياء العربية من خدمات ودراسات وتضحيات بالمال والوقت والجهد بما يشهد له الجميع بذلك .
فليحفظه الله وليصونه ذخراً لهذه الأمة , متمنية له تحقيق ما تصبو إليه نفسه , مع صحة دائمة موفورة بالسعادة .
د . رخصانة محمد إسماعيل
أستاذ مشارك ـ كلية التربية ـ جامعة عدن
مديرة مركز المرأة للبحوث والتدريب ـ
رئيسة الجمعية الكيميائية اليمنية