في رثاء الشيخ الأستاذ العلامة فتح الله القاضي رحمه الله الذي اختار جوار ربه البارحة السبت 25 رجب 1438 هجري موافق 22 نيسان 2017
عـلـم هـوى فـلـتـبكه الأيـام ولـيـنـعه العـلـم والأقـلام
أخـي وأستـاذي أبـا هـشام مـني عـلـيك تـحية وسلام
وعليك من آل حمص كرامة إذ حقك التبجيل والإكرام
إن لله عبادا قطعوا علائق الشهوات ، وأسرجوا مراكب الجد بصدق العزائم، وامتطوا جياد الأمل ، واتجهوا إلى الله عز وجل ، وتزودوا إليه بصالح العمل ، مع إخلاص النية ، وصفاء القلب ، وصدق الطوية . قد صانوا وجوههم عن الابتذال ، ولم يعبئوا بالمغريات. وكذلك كان أبا هشام .
وتأتي هذه الكلمات بعد معذرة وعلى استحياء ، لنشعر بمسؤولية الوفاء بمتابعة الطريق ، طريق الأستاذ الرائد ، والعالم الصابر ، والباحث البصير ، والمربي الكبير ، طريق العلامة الغني عن كل تعريف ، أستاذنا فتح الله أبو هشام القاضي .
لقد علمتنا عقيدتنا أن الخلود لله عز وجل . وإن كل من عليها فان ، وإن فقد أعلام الأمة امتحان لأبنائها ، فكل واحد من هؤلاء الأعلام بشر من البشر ، ولكنه تعالى عن حطام الدنيا ، وارتفع فوق ترابها وشهواتها وأهوائها ، فكان المنار الهادي ، والقدوة الأمين . وما أبا هشام طيب الله ثراه ، إلا واحد من هؤلاء الأفذاذ . فقد حمل راية العلم والفقه ، صادقا مخلصا حتى اختاره الله إلى جواره ، وقبضه إلى رحمته .
فاللهم أمطر فقيدنا وابل رحمتك ورضوانك ، وأنزل السكينة في قلوب أهله وأحبائه ، وهبنا من فضلك وعنايتك قوة تساعدنا على حمل الأمانة من بعده .
وفي الحديث الشريف الذي يرويه مسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .
وفي الحديث أيضا : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبقى عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا
وفي الحديث الذي يرويه أبو داود والترمذي : فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
إذا كانت كل أمة تتحسس ألم المصيبة ، وفداحة الكارثة ، حين تفقد رجلا فذا من رجالها ، وعالما من علمائها . فإن أمتنا حريّ بها أن تحزن لفقد عالمها العالم ، مربي الأجيال ، ورئيس جمعية العلماء , ومفتي حمص الشيخ : فتح الله القاضي رحمه الله عزّ وجل .
. لقد أرهق أبا هشام نفسه بين التدريس ، وتربية الآجيال ، وإصلاح ذات البين بين الناس ، وبرهن لنا بصلابة نفسه أن الإنسان قادر بعزيمته على أن يقوم بما يعدّه بعض الناس خارجا عن طوق الطبيعة البشرية ، ولذا عندما رحل عنا ، رحل وهو في ريعان رجولته , رغم أنه تجاوز التسعين من عمره . فهو من مواليد عام 1927 م
ما أحوجنا في كل أرض تنطق بالضاد ، بل ما أشد ظمئنا ، إلى علماء عاملين ، يجمعون إلى جانب ثقافة الروح ثقافة العقل ، وإلى جانب ثقافة العقل ثقافة العلم ، وإلى جانب ثقافة العلم إنسانية التفكير ، ليتساموا بمجتمعنا المريض إلى عالم العلم والمعرفة والحضارة . وتلك كانت مزية فقيدنا أبا هشام في روحنيته المثلى ، وتفكيره الإنساني ، وعلمه الغزير .
سئل النبي محمد صلى الله عليه وسلم : أي جلسائنا خير يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : من ذكرتكم بالله رؤيته ، وزاد في علمكم منطقه ، وذكّركم بالآخرة عمله .
يا آل الفقيد وقرابته وأصدقائه لستم أنتم الذين فقدموه فحسب ، وإنما فقدته جموع الناس في حمص في أفراحهم وأحزانهم , وما من اجتماع فرحة إلا وهو المتحدث فيها يعظ الناس ويهنأهم ويبارك لهم , وما من احتماع حزن إلا وهو المتحدث فيها أيضا يعظ الناس ويواسيهم ويشجعهم على الصبر ,
رحمه الله واسكنه فسيح جناته . مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم