في الحديث الشريف الذي رواه مسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .
وفي الحديث أيضاً : إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهّالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا .
وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي : فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
يسير على المرء أن يكون مدرساً يلقى الدروس بلا عدد .
ويسير عليه أن يكون مؤلفاً يصنع الكتب الضخام .
ويسير عليه أن يكون بحاثة يغوص على النفيس .
ولكن أن يكون معلماً فهذا أمر عسير .
المعلم ينفذ إلى أعماق طلابه ، يصهرهم ويصوغهم بقالبه كيف شاء ، يحيا فيهم ، يجعلهم بعلمه أناساً غير الناس ، يفتح لهم آفاقاً جدداً ، ينقلهم إلى عالم آخر ، عالم العلم والفضيلة والبحث والمحبة ومساعدة الناس .
سئل النبي محمد ﷺ : أي جلسائنا خير يا رسول الله . فقال ﷺ :
من ذكرتكم بالله رؤيته ، وزاد في علمكم منطقه ، وذكركم بالآخرة عمله
وعلينا أن نعلم أن إسرائيل لا تعد لغزونا فرقاً من الراقصات والمغنيات حتى نسخر أجهزة إعلامنا المرئية والمسموعة والمقروءة لإجراء مقابلات ووصلات معهن ، ولكنها تعد فرقاً مسلحة بوسائل الهلاك والتدمير ، وأساطيل في البحر والجو ، وجموع من العلماء والمخترعين .
فنحن بحاجة إلى مخترعين ومخترعات ، وعلماء وعالمات ، أشد من حاجتنا إلى فنانين وفنانات ، ومع ذلك فإن الجوائز ، وكل الفرص ، وكل الأنوار تسلط على هؤلاء ويحرم منها أولئك ، وما رأيت يوماً أمة الضاد قد خصصت جائزة لشاب مخترع أو مكتشف ، ورأيت كل يوم عشرات الجوائز للشباب المتفوقين بالرسم والموسيقى والرياضة والرقص والغناء .
فكم الفرق بين أمة تكرم علماءها في شتى ضروب العلم و فروعه ، وبين أمة تهمل علماءها وتشغل أبنائها بأبسط ما في الحياة .
فهل هذا دليل على جدنا في الانضمام إلى ركب الحضارة والخلاص من أعدائنا المتربصين بنا ، أم نحن قوم غافلون أو مخدوعون أو نائمون .