رمضان الشهر الكريم الذي تم فيه : نزول القرآن وفتح مكة وغزوة بدر
نحن الآن في الثلث الثاني من شهر رمضان , وشهر رمضان هو الشهر الذي تمت فيه أحداث الاسلام الثلاث الكبرى :
الحدث الاول :
نزول القرآن دفعة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا [ إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام حتى مطلع الفجر ] سورة القدر . ثم نزل على قلب رسول الله ﷺ مجزأ حسب الأحداث وتدرج الاحكام خلال ثلاثة وعشرون سنة .
الحدث الثاني :
نصر الله عز وجل وفتح مكة المبين .
مكة التي خرج منها ﷺ يوم الهجرة وحيداً ليس معه سوى صاحبه أبو بكر ، كان يمشي الليل ويختفي في النهار وقريش تتبعه في أثره حتى وصل الأثر بها إلى الغار . حيث كان الحبيبان في جوف الغار والعنكبوت قد نسجت على فمه فيبكي أبو بكر ويقول ما على نفسي أبكِي يا رسول الله ولكن خوفاً عليك فيقول له : يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا . فيقول له يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا فيقول له ﷺ يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا ..
وبعد عشر سنوات من الهجرة وفي شهر رمضان يعود ﷺ إلى مكة وقد اشتاقت للحبيب .. اشتاقت لسماع كلمة الإيمان … فيلبي ﷺ النداء ويدخلها في جيش ضخم لم تشهده الجزيرة العربية من قبل , قوامه عشرة آلاف من المجاهدين . وينزل قوله تعالى : [ إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك وأستغفره إنه كان تواباً ] سورة النصر .
الحدث الثالث :
انتصار القلة المؤمنة على الكثرة المشركة في غزوة بدر الكبرى . وفي ذلك نزل قرآن يتلى : [ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة مردفين * وماجعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ] سورة الانفال
الحياة صراع لا يفوز فيها إلاّ الأقوياء . والقوة نوعان : قوة مادية ، وقوة معنوية . ومن مبادئ الإسلام أن الحق لينتصر لا بد له من القوتين . وقد قص علينا القرآن الكريم أن أمماً كانت قوية في مظاهر الحياة العادية ، فعاثت في الأرض فساداً ، وحاربت رسل الله وأنبياءه ، وكذبت دعوات الإصلاح فأوردت بلادها الخراب والدمار . استمع إلى ما يقوله القرآن الكريم عن بعض هذه الأمم :
[ ألم تر كيف فعل ربك بعاد * ارم ذات العماد * التي لم يخلق مثلهافي البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد ] سورة الفجر .
وكذلك فإن القوة المعنوية وحدها دون سند من القوة المادية فإن الإسلام يقرر أنه لا سبيل لها إلى النصر ، ولا شأن لها في توجيه الحياة . والسبيل الصحيح إلى حياة كريمة سعيدة أن تتضافر المادة مع الروح على تقويم الإنسان وبناء معيشته . وأن تمسك الأمة بجناحين من قوة المادة وقوة الروح لا يطغي أحدهما على الآخر . وهذا ما علمنا القرآن أن ندعو فنقول :
وكما أمرنا القرآن أن نصحح العقيدة ونهذب النفس ونسمو بالروح أمرنا أن تعد القوة إلى أقصى ما نستطيع : [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ] سورة الأنفال .
وفي الوقت الذي أمرنا فيه الإسلام أن نقيم الصلاة ونؤدي الزكاة وهي من أبرز دعائم القوة المعنوية والروحية . أمرنا أيضاً أن نعمل [ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا ] سورة القصص .
وامرنا أن نكشف كنوز الأرض وأسرار السماء بقوله [ قل انظروا ماذا في السموات والأرض ] سورة يونس
وعلى هذا قامت دعوة الإسلام في عهد رسول الله ﷺ , ففاضت بأنباء الكفاح وزخرت بوقائع المعارك . ولبس رسول الله ﷺ الدروع وخاض معامع القتال وقاد الجيوش وقاتل وقَتَل وانتصر وجُرح . ثم كان النصر للدعوة التي جمعت القوتين , على الوثنية والجاهلية التي أضعفت من عقول العرب وأخلاقهم وقواهم النضالية المكافحة .
ومما يقرره الإسلام: أن القوة المعنوية القوية مع قليل من القوة المادية تغلب القوة المادية إذا فقدت الوازع النفسي والباعث المعنوي .
وفي هذا يقول القرآن الكريم : [ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ] سورة البقرة
ولنا في معركة بدر ونحن الآن في ذكراها أروع مثال . ففي السابع عشر من شهر رمضان وللسنة الأولى للهجرة انتصر الثلاثمائة مسلم رغم قلة عددهم وعدتهم على ألف مشرك من قريش رغم كثرة عددهم وعدتهم . لأن المسلمين كانوا يملكون من قوة العقيدة وقوة الخلق وقوة الروح ، ما لا يملكه أولئك الكفرة الذين انهزموا هزيمة سجلها القرآن كمثل رائع يدل على ما تستطيع القوة المعنوية أن تحرزه من نصر على القوة المادية إذا أخذت من قوة السلاح بأدنى نصيب .
والصيام : الذي فرضه الله على المسلمين فيه الجمع بين القوتين جمعاً رائعاً منسجماً يؤتي أحسن الثمار . فهو من الناحية الصحية قوة للجسم يدفع عنه كثيراً من الأمراض ويشفي فيه كثيراً من العلل . وهو من الناحية المعنوية يعطي المسلمين قوى معنوية لها أكبر الأثر في سعادة الأفراد والجماعات .
فالمسلم في رمضان يصبر على وطأة الجوع والعطش ويترك كل ما اعتاده في النهار من ملذات ومرطبات ومنعشات ، يصبر على الحرمان من ذلك كله بطوعه واختياره لا خوفاً من سجن ولا رهبة من عقاب في جسمه أو ماله . والصبر الاختياري على ملذات النفس وأهوائها أكثر فائدة للنفس وللأمة من الصبر الذي تحمل عليه الفاقة ، أو يلجأ إليه الحرمان ، أو تبعث عليه الرهبة من العقاب والعذاب .
إن الصبر على الشدائد قوة معنوية من أقوى الأسلحة التي تتسلح بها الأمم .