المقالات »

اندماج نووي

1 – تقديم :
تفاعل الاندماج النووي ( يعرف أيضا بالـ تيرمو نووي ) هو أحد أهم أنواع التفاعلات النووية التطبيقية .
الاندماج النووي عملية تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل . ويلعب اندماج الأنوية الخفيفة مثل البروتون وهو نواة ذرة الهيدروجين والديوترون نواة الهيدروجين الثقيل والتريتيون وهو نواة التريتيوم دوراً هائلاً في العالم وفي الكون ، حيث ينطلق خلال هذا الاندماج كمية هائلة من الطاقة تظهر على شكل حرارة وإشعاع كما يحدث في الشمس ، فتمدنا بالحرارة والنور والحياة . فبدون هذا التفاعل ما وُجدت الشمس وما وُجدت النجوم ، ولا حياة من دون تلك الطاقة المسماة طاقة الاندماج النووي . وتنتج تلك الطاقة الهائلة عن فقد في وزن النواة الناتجة عن الاندماج النووي، وهذا الفقد في الكتلة يتحول إلى طاقة طبقاً للمعادلة المعروفة التي تربط العلاقة بين الكتلة والطاقة .
فائدة الاندماج النووي تكمن في إطلاقه كميات طاقة أكبر بكثير مما يطلقه الانشطار . وبالإضافة إلى ذلك ، فإن المحيطات تحتوي بشكل طبيعي على كميات كافية من الدويتريوم اللازم للتفاعل . ويحاول العلماء في ترويض ذلك التفاعل الذي سيمدنا بالطاقة لمدة آلاف السنين ، كما أن المواد المنبعثة عن الاندماج ( خصوصا الهيليوم 4 ) ، ليست مواداً مشعّة .
وعلى الرغم من العدد الكبير من التجارب التي تم القيام بها في كل أنحاء العالم منذ ستين سنة ، فإنه لم يتم التوصل إلى بناء مفاعل يعمل بالاندماج ، ولكن الأبحاث في تقدم مستمر لغرض التوصل إلى ذلك . وكل ما اسطاع الإنسان التوصل إليه في هذا المجال جاء في المجال العسكري بابتكار القنبلة الهيدروجينية .
2 – آلية الاندماج :
يحدث تفاعل الاندماج النووي عندما تندمج نواتان ذريتان . ولكي يتم هذا التداخل ، لا بد من أن تتخطى النواتان التنافر الحاصل بين شحنتيهما الموجبتين ( وتعرف الظاهرة بالـحاجز الكولومبي ) . إذا ما طبقنا قواعد الميكانيكا الكلاسيكية وحدها ، سيكون احتمال الحصول على اندماج الأنوية منخفضا للغاية ، بسبب الطاقة الحركية ( الموافقة للهيجان الحراري ) العالية جدا اللازمة لتخطي الحاجز المذكور. وفي المقابل، تقترح ميكانيكا الكم ، وهو ما تؤكده التجربة، أن الحاجز الكولومبي يمكن تخطيه أيضا بظاهرة النفق الكمومي ، بطاقات أكثر انخفاضا.
وبالرغم من ذلك، فإن الطاقة اللازمة للاندماج تبقى مرتفعة جداً، وهو ما يقابله حرارة أكثر من عشرات أو ربما مئات الملايين من الدرجات المئوية حسب طبيعة الأنوية . وفي داخل الشمس على سبيل المثال، يجري تفاعل اندماج الهيدروجين المؤين عبر مراحل إلى تولد الهليوم ، في ظل حرارة تقدر بـــــ 15 مليون درجة مئوية ، ويحدث ذلك ضمن عدة تفاعلات مختلفة تنتج عنها حرارة الشمس .
وتُدرس بعض تلك التفاعلات بين نظائر الهيدروجين بغرض إنتاج الطاقة عبر الاندماج مثل الديوتيريوم – ديوتيريوم أو الديوتيريوم – تريتيوم ( انظر أسفله ) . أما في الشمس فتتواصل عملية الاندماج إلى العناصر الخفيفة ثم المتوسطة ثم ينتج منها العناصر الثقيلة مثل الحديد ، الذي يحتوي في نواته على 26 بروتون ونحو 30 من النيوترونات . وفي بعض النجوم الأكثر كتلة عن الشمس، تتم عمليات اندماج لأنوية أضخم تحت درجات حرارة أكبر.
وعندما تندمج أنوية صغيرة ، تنتج نواة غير مستقرة تسمي أحيانا نواة مركبة ، ولكي تعود إلى حالة استقرار ذات طاقة أقل، تـُطلق جسيم أو أكثر ( فوتون ، نيوترون ، بروتون ، على حسب التفاعل ) ، وتتوزع الطاقة الزائدة بين النواة والجسيمات المطلقة في شكل طاقة حركيّة. وطبقاً للرسم التوضيحي تنطلق نواة ذرة الهيليوم بطاقة قدرها 5 و3 MeV وينطلق النيوترون بطاقة قدرها 14,1 MeV (ميجا إلكترون فولت) .
وفي المفاعلات الاندماجية الجاري تطبيقها حاليا يجتهد العلماء للحصول على مردود جيد من الطاقة خلال الاندماج ، أي من الضروري أن تكون الطاقة الناتجة أكبر من الطاقة المستهلكة لتواصل التفاعلات واستغلال الحرارة الناتجة في إنتاج الطاقة الكهربائية. كما يجب عزل محيط التفاعل ومواد المحيط في المفاعلات الاندماجية.
عندما لا يوجد أي وضع مستقر، تقريبا، قد يكون من المستحيل أن نقوم بإدماج نواتين (على سبيل المثال : 4 He + 4He) .
إن التفاعلات الاندماجية التي تطلق أكبر قدر من الطاقة هي تلك التي تستخدم أكثر الأنوية خفّة لإنتاج الهيليوم ، لأن الهيليوم ونواته جسيم ألفا هي أقوى نواة ذرة هلى الإطلاق من جهة تماسكها، فهي تحتوي على 2 بروتون و 2 نيوترون وهؤلاء الأربعة شديدو التماسك بحيث يتحول جزء يعادل 005. 0 من كتلتهم إلى طاقة حركة تتوزع بين نواة الهيليوم الناتجة والنيوترون. ومجموع الطاقتين الموزعتين = 3,5 + 14,1 = 17,6 ميجا إلكترون فولت. وبالتالي فإن أنوية الدويتيريوم ( بروتون واحد ونيوترون واحد) والتريتيوم ( بروتون واحد ونيوترونان ) ، مستخدمة في التفاعلات التالية :
• ديوتيريوم + ديوتيريوم –> هيليوم 3 + نيوترون
• ديوتيريوم + ديوتيريوم –> تريتيوم + بروتون
• ديوتيريوم + تريتيوم –> هيليوم 4 + نيوترون
• ديوتيريوم + هيليوم-3 –> هيليوم-4 + بروتون
وهذه التفاعلات هي أكثر التفاعلات دراسة في المخابر عند تجارب الاندماج المراقبة ، وكل منها ينتج نحو 17 ميجا إلكترون فولت من الطاقة.
3 – الاندماج المتحكم فيه :
يمكن التفكير في عدة طرق تمكّننا من احتجاز محيط التفاعل للقيام بتفاعلات اندماج نووية ، ويقوم العلماء فعلا بتلك التجارب بواسطة الاحتجاز المغناطيسي لما يسمى البلازما في جهاز مفرغ من الهواء مع رفع درجة حرارة البلازما إلى عشرات الملايين درجة مئوية. ولكن احتجاز البلازما – وهي أنوية التريتيوم والديوتيروم العارية من الإلكترونات – تحت هذه الحرارة العالية صعب جدا إذ كلها تحمل شحنة كهربائية موجبة تجعلهم يتنافرون عن بعضهم. فما يلبث التفاعل أن يبدأ بينهم لمدة أجزاء من الثانية حتى يتنافروا ويتوقف التفاعل. وينصب حاليا اهتمام العلماء على ابتكار وسيلة يستطيعون بها إطالة مدة انحصار البلازما وإطالة مدة التفاعل. وتلك المجهودات ما هي إلا بغرض استغلال طاقة الاندماج النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية.
4 – الاندماج بالاحتجاز المغناطيسي :
• التوكاماك ، حيث يحتجز خليط من نظائر الهيدروجين بواسطة حقل مغناطيسي بالغ الشدة.
• الستيلاتور، حيث تؤمن الحواث ( inductors ) الاحتجاز بالكامل.
5 – بلازما الاندماج :
عندما تصل الحرارة الدرجة التي يحصل فيها الاندماج ، تكون المادة في حالة بلازما. إنها حالة خاصة للمادة الأولية، تكوّن فيها الذرات أو الجزيئات غازا أيونيا.
تحت درجات الحرارة العالية يتم اقتلاع إلكترون أو أكثر من السحابة الإلكترونية المحيطة بكل نواة، مما ينتج عنه أيونات موجبة وإلكترونات طليقة.
ينتج عن التحرك الكبير للأيونات والإلكترونات داخل بلازما حرارية، عدة اصطدامات بين الجسيمات الموجبة الشحنة الكهربية. ولكي تكون هذه الاصطدامات قوية بما فيه الكفاية لإنشاء تفاعل اندماجي، تتدخل ثلاث عوامل :
1. الحرارة T
2. الكثافة N
3. زمن الاحتجاز t .
حسب لوسون فإن المعامل N t يجب أن يصل حدا فاصلا للحصول على الـ breakeven حيث تكون الطاقة الناتجة عن الاندماج مساوية للطاقة المستخدمة. يحدث الإيقاد إثر ذلك في مرحلة أكثر إنتاجا للطاقة ( لم يتوصل العلماء لإيجادها حتى اليوم في المفاعلات التجريبية الحالية ) . إنه الحد الذي يكون التفاعل إثره قادرا على المواصلة من تلقاء ذاته من دون انقطاع . لتفاعل ديتوريوم + تريسيوم، يقدّر هذا الحد بـ 1014 ثانية / سم ³.
— للبحث صلة —


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,