المقالات »

الفصل الرابع : العلاقة بين التركيب الكيماوي للغازات السامة وبين قدرتها على الفتك

الفصل الرابغ : العلاقة بين التركيب الكيماوي للغازات السامة وبين قدرتها على الفتك :
Relation Between Chemical Structure and Aggressive Action
إن استعمال المواد السامة كسلاح حربي قد أعطى أهمية خاصة إلى دراسة العلاقة بين الفعل الممرض للغازات Physiopathologial Action وبين التركيب الكيماوي لها، وقد بدأت هذه الدراسة منذ النصف الاول من القرن الماضي . ولهذه الدراسة أهمية خاصة في حالة الغازات الحربية بين التركيب الكيماوي للغازات وبين نوع العمل الذي تقوم به كلا منها ( من إسالة للدموع Lachromatory ، غازات خانقة Asphyxiant غازات تسبب العطاس ، غازات الاعصاب , إلخ ..) وإن هذه المسألة أدت إلى دراسة تجريبية غايتها الوصول إلى حقائق تبين العلاقة بين التركيب الكيماوي للغاز والعمل الفاتك له ، ولكن بسبب السرية التي أحاطت بالنتائج , ليس إمكاننا أن نعطي القوانين العامة بشكل تام وأكيد . وعلى كل حال سيكون أمراً مهماً وذو فائدة إذا نحن أعطينا بياناً بالملاحظات والفرضيات المنشورة في التقارير التي تقدمها المخابر العلمية حول تأثير التركيب الكيماوي للغازات , وبصورة خاصة تأثير إدخال بعض العناصر والجذور على طبيعة العمل المقدم من المادة قبل عملية الإدخال هذه .
إن أغلب المواد المستعملة كغازات حربية أثناء الحرب العالمية الأولى كانت مواداً عضوية ، ومن بين المركبات الغير عضوية المستعملة في الحرب نذكر الكلور ، ثالث كلور الزرنيخ ، إلخ… وهذه المواد التي أتينا على ذكرها مع كونها تملك قدرة على الفتك ضعيفة وضئيلة نسبياً فقد استعملت في بداية الحرب الغازية والسبب في استعمالها يعود إلى سهولة تحضيرها وبساطة استعمالها . ومن المواد الغير العضوية السامة التي لم تستعمل كغازات حربية بسبب خواصها الفيزيائية الغير مناسبة نذكر : الزرنيخ ، الفوسفين ، كبريت الأنتموان .
أما المركبات العضوية التي لها قدرة على الفتك Aggressive Action فإنها تحوي عادة على ذرات : الهالوجين ، الكبريت ، الزرنيخ , الفوسفور , وجذور مثل – NO2 ، – CN …. ألخ .

تأثير ذرات الهالوجينات: Inrluence of Halogen Atoms
إن للهالوجينات نفسها تأثير مضر على جسم الكائن الحي وهذا التأثير يتضاءل في شدته عندما نمر من الفلور إلى اليود . وذلك لأن القدرة على الفتك تتناقص كلما ازداد الوزن الذري للهالوجين ، وعلى العكس فإن القدرة على إسالة الدموع تزداد كلما ازداد الوزن الذري للهالوجين الداخل في تركيبها . وعلى هذا الأساس فإننا نجد البروم أسيتون Bromo acetone . Br- CH2- CO- CH3 أكثر قدرة على إسالة الدموع من الكلور أسيتون Chloro acetone . Cl- CH2- CO- CH3
أما القوة السمية للمواد المهلجنة فإنها تتناسب عكساً مع الوزن الذري للهالوجين.
وبخصوص تأثير عدد ذرات الهالوجين الموجودة في مركب ما , فقد وجد بأنه بينما تمنح ذرة هالوجين واحدة للمادة التي يدخل في تركيبها قدرة على إسالة الدموع في أغلب الأحوال فإن ازدياد عدد ذرات الهالوجين الموجودة في نفس المادة يقلل من قدرة تلك المادة على إسالة الدموع ولكنه يزيد من تأثيرها الخانق.
وللموضع الذي تشغله ` ذرة الهالوجين في جزيئة الغاز تأثير ملحوظ على خاصية الفتك Aggressive Properties . فلقد وجد في السلاسل المفتوحة بأن المركبات التي تكون فيها ذرة الهالوجين في الموضع بيتا –β . يمنحها قدرة على إسالة الدموع ، بينما لا تكون للمادة العطرية صفات ممرضة عندما تحل ذرة الهالوجين محل ذرة هيدروجين في النواة البنزينية . والمثل الذي نورده تأكيداً لهذه الملاحظة هو بروم البنزيل C6H5- CH2 Br الذي له قدرة على إسالة الدموع ويستعمل كغاز مسيل للدموع على نطاق واسع . أما بروم التولوينBromo toluene C6 H4 Br- CH3 فليس له هذه القدرة

تأثير ذرة الكبريت : Influence of the Sulphur Atom
إن ` ذرة الكبريت لا تعتبر عنصراً ساماً كما هو الأمر في الهالوجينات ومع ذلك فإن وجودها في مادة ما يبدو أنه يمنحها القدرة على اختراق البشرة Epidermis وهذه الخاصة تفسر لنا الصفات الفاتكة Aggressive Properties لمثل هذه المركبات .والمثال الذي تنطبق عله هذه الملاحظة نجده عند مقارنة المواد المحتوية على ` ذرة كبريت مع أقرانها Analogues المشتملة عل ` ذرة أوكسجين بدلاً من ` ذرة الكبريت . والمثل الذي نورده هنا هو ثاني كلور ايتيل الكبريت ( غاز الخردل ) Cl-CH2-CH2–S–CH2–CH2-Clشديد التأثير على المثانة البولية بينما الأكسيد المقابل لنفس المادة Cl-CH2-CH2–O–CH2–CH2-Cl ليس له هذا التأثير.

تأثير ذرة الزرنيخ : Influence of the Arsenicatom
إن ذرة الزرنيخ تكسب المواد التي تدخل في تركيبها خواصاً سامة , ودرجة سمية هذه المواد أعلى من سميتها عندما يدخل الكبريت في تركيبها بدلاً من الزرنيخ .
وهناك قاعدة عامة تسرى على المركبات الزرنيخية . وتنص هذه القاعدة على أن المواد التي يكون فيها الزرنيخ ثلاثي القيمة الاتحادية هي أشد فتكاً من المواد التي يكون فيها الزرنيخ خماسي القيمة الاتحادية.

تأثير ذرة الفوسفور : Influence of the Phosphoric Atom
المركبات العضوية التي يدخل الفوسفور في تركيب جزيئتها تستعمل منذ أكثر من قرن سابق كمبيدات حشرية قوية . ويمكن استعمال الكثير منها أيضا كغازات حربية سامة ضد الانسان ( غازات أعصاب ) حيث إن لها تأثيرا ضارا شديدا عليه إن استنشقها أو لامست جسده . كغاز السارين الذي استعمل من قبل الطرفين في الحرب الايرانية العراقية في نهاية القرن العشرين الماضي , كما استعمل في أحداث سورية الأخيرة أكثر من مرة .

تأثير زمرة النيترو: Influence of the Nitro Group
إن القدرة على الفتك بالكائن الحي التي تكتسبها مادة من المواد بإدخال الزمرة – NO2 تتوقف على ارتباط المجموعة –NO2 إما بــ` ذرة أكسجين أو بـــ` ذرة كربون . وبكلمة أخرى تتوقف هذه القدرة على نوع المركب الناتج فهو إما أن يكون مركب نيترات Nitrate أو مركب نيتروNitro . إن النترات Nitrates لا تصلح للاستعمال الحربي أبداً ، أما مشتقات النيترو فان من بينها غازات حربية فعالة جداً نذكر منها Trichloro Nitro Methane ( Chloro Picrin ) ، Tri Bromo Nitro Methane إلخ ..

تأثير زمرة الـ – CN : Influence of the – CN Group
يعزى إلى مجموعة الـ(- CN ) بنيتين مختلفتين : الأولى ( -C = N ) وتسمى النتريل ، والأخرى تدخل في المركب بشكل (-N = C = ) وتسمى بالنتريل غير النظامي Isonitrile ولقد لوحظ بأن المركبات المحتوية على جذر النتريل غير النظامي أكثر سمية من المركبات المحتوية على جذر النتريل. وإن هذا الاختلاف في الخواص الحيوية يمكن أن يعزى إلى السهولة التي بها تحرر حمض سيان الماء في مركبات النتريل غير النظامية.

6 – تأثير التركيب الجزيئي : Influence of Molecular Structure
لقد تبين للعلماء بناء على ملاحظات عديدة ، على أن القدرة على الفتك وإنزال الضرر بالكائن الحي التي تملكها مادة من المواد ، نتوقف ليس فقط على وجود ذرات عناصر` أو جذور معينة في ذرة تلك المادة ، بل تتوقف أيضاً على البناء الجزيئي لتلك المادة وبصورة خاصة على وجود: وجود روابط غير مشبعة .

7 – النظريات العامة : Theories of General Nature
إن النظريات العامة التي تبحث في العلاقة بين البنية الكيميائية وبين الفعل الممرض لغازات الحربية، قد استخلصت بالاستناد إلى الغازات الحربية نفسها . ومن بين النظريات العديدة والمبثوثة في الكتب فإننا سنشير هنا إلى نظريتين فقط : إحداهما من وضع العالم مايرMeyer والأخرى تدعى بنظرية Toxofhor – Auxotox .
نظرية ماير : حسب هذه النظرية فإن تأثير الغازات الحربية الممرض يعود إلى وجود ذرات عناصر أو جذور معينة قادرة على التفاعل بسهولة مع المواد الأخرى بالضم مع مختلف النسج الحية ( من دم ، خلايا عصبية ، النسيج الظهاري التنفسي Respitatory epithelial ، إلخ ) والتي يطرأ عليها تغيرات نوعية من جراء تأثير الغازات فيها.
نظرية أوكسو توكس – توكسوفور : Theory toxofhor – Auxotox
إن نظرية التوكسوفورات Theory of texfhors والأوكسوتوكسات ، قد وضعها العالم Ehrlich في بادئ الأمر من أجل المواد السامة عامة , ولقد طبقها فيما بعد العالم Nekrassov على الغازات الحربية ، وتعزو هذه النظرية الخواص الممرضة لهذه المواد إلى وجود ذرات عناصر أو جذور خاصة ، وتشبه هذه النظرية إلى حد كبير النظرية التي وضعها Witt من أجل المواد الملونة والمواد الصباغية
فالغازات الحربية حسب نظرية Nekrassov لها بنية مماثلة لبنية المواد الملونة Coloured Substances . وعند فحصنا لصيغ الغازات الحربية الكيميائية نجد زمر معينة هي التي تهب المواد الإمكانية لأن تصبح غازات حربية . وهذه الزمر التي وجدت في الغازات الحربية تدعى بالتوكسوفورات Toxophors مثل :N=O = O * CO – – * S – – * As
ويوجد أيضاً زمر أخرى بإمكانها أن تطلعنا على الوظائف السمية المية للزمرة التوكسوفورية ، أي أنها توصلنا إلى حقيقة الطاقة الكامنة Latent Capacity لزمرة التوكسوفور. وهذه الزمر تدعى بالأوكسوتوكسات وهي إما أن تكون : ذرات عناصر مثل : هالوجينات ، أوكسجين ..إلخ أو جذور مثل : -NH2 ،C6H5CH2- ، -C6H5 ، -CH3 ، جذور إيتيلية ، الخ…
وبمساعدة هذه النظرية التي تطلعنا على الأجزاء الأساسية التي يجب توفرها في كل غاز حربي كما هو الحال في المواد الملونة حيث أن إدخال بعض الزمر الأوكسوكرومية يغير من لون المواد حيث تلعب هذه الزمر دوراً أساسياً وكذلك فإن وجود أوكسوتوكسات معينة في الغازات الحربية يغير من التأثير الحيوي الذي كان لها. فهكذا فإن إدخال ` ذرة هالوجين في ذرة حمض سيان الماء Dyrocianic Acid يقلل من سمية زمرة التوكسوفور ويكون للمركب الناتج مقابل ذلك القدرة على إسالة الدموع.

وعلينا أن نذكر في نهاية هذا الفصل بأن هذه النظرية والنظرية السابقة التي قال بها ماير والتي أشرنا إليها من قبل مع أنهما تتناولان نواحي هامة عديدة ، لا تشرح بصورة كافية سلوك بعض الغازات الحربية.
ولا يزال يوجد للآن ثغرات عديدة في دراسة الغازات الحربية . وإن الأبحاث العديدة والنظريات المتنوعة التي جرت ووصفته ترينا مقدار الجهود التي بذلت لحل هذه المسألة الهامة.


تاريخ المقالة:

مصنفة في:

, ,