بعد أيام سنستقبل عيد الفطر السعيد .
والأعياد هي واحة السرور والبهجة وسط صحراء الحياة الحارة اللاهبة ، يقف عندها ركب الحياة المجهد ليستريح من وعثائه وينصرف بقلبه ومظهره إلى حياة يشع فيها الأمل والسرور والفرح ، ويفوح في أجوائها العطر والسلام .
والأعياد ضرورة اجتماعية قبل أن تكون سنة دينية . فلكل أمة أو جماعة عيد أو أعياد تصنعها هي بنفسها من أحداثها وتاريخها .
والمهم لنا نحن المسلمين أن نعرف تاريخ أعيادنا وكيف وجدت ؟ وهل كنا فيها تابعين لغيرنا ؟
روى أنس بن مالك رضي قال : قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر .
وهذا الحديث واضح الدلالة في الحياة الاستقلالية التي أراد رسول الله ﷺ أن يربي أمته عليها ، حتى لا تكون تابعه لغيرها في أعيادها وأفكارها .
ألغى الرسول ﷺ كل أعياد الجاهلية في مكة والمدينة , وجعل بدلاً عنها عيدين يتصلان أوثق الصلات بحياة المسلم الروحية وفرائضه التي يتقرب بها إلى الله .
فأولهما عيد الفطر ،
اليوم الذي يفطر فيه الصائمون بعد انتهاء شهر الصوم . والصوم جهاد نفسي وبدني معاً يجاهد الإنسان فيه نفسه ويمنعها عما اعتادت عليه من الخوض في مسائل الناس وإيذائهم ، ويجاهد كذلك نداء بطنه الخاوي ، فيمنعها عن الغذاء وإن أحست الجوع والعطش .
ويستمر الصائم في هذا الجهاد المزدوج شهراً كاملاً يطعم فيه الطعام للمحتاجين ويعكف على تلاوة القرآن ، ويفهم معانيه و الاتعاظ به . وبقن صلاته ونسكه , ويعطف على الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين
والله العلي الكريم يتجلى على عباده كل يوم من أيامه فيغفر لهم ذنوبهم ويعتقهم من النار .
فكان من الحكمة الإلهية بعد الجهاد و الحرمان ، طول شهر كامل أن يكون أول يوم يتحلل الإنسان فيه من هذا النظام ، عيداً يوسع فيه على نفسه وأولاده والفقراء من حوله ويفرح بما وفقه الله إليه من هذا كله
ثم يجتمع اجتماعاً عاماً مع إخوانه في مسجد الحي مفتتحين اليوم بعبارة جماعية شعارها الله أكبر ويستمعون إلى واحد منهم يعظهم ويذكرهم بنعمة الله عليهم ، ويهيئ نفوسهم لاستقبال عام جديد يتداركون فيه ما فاتهم ، ويصححون فيه أخطائهم ثم يتبادلون تحية التهنئة والدعوات والطيبات .
هذا هو عيد الفطر ، وما سنة الله فيه من صلاة واجتماع يقول عنه الرسول ﷺ : للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح فصومه . رواه البخاري .
وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الفرح في هذا اليوم فرحاً شاملاً , يدخل كل قلب , وينعم كل بيت , فأمر بإخراج صدقة الفطر عن كل نفس مسلمة وتوزع هذه الصدقة على الفقراء والمحتاجين , حتى يتفرغوا ليومهم يفرحون فيه كبقية إخوانهم ولا يفكرون في قوتهم .
وثاني العيدين هو عيد النحر .
وهو عيد يقع في موسم عبادة من أعظم العبادات عند الله . وهي الحج الذي جعله الله من أعمدة الإسلام وأركانه الخمسة ، فحين تجمع الأماكن المقدسة قصّادها من كل قطر ، وقد تحملوا من المشاق والمتاعب أشدها وأقصاها يلتمسون بذلك المغفرة والرضى من الله . فحين ينتهون من الوقوف بعرفة ويؤدون أهم شعيرة في الحج ، ويفيضون من عرفات إلى المزدلفة فمنى . حيث تنقضي بذلك أعمال الحج .
جعل الله صباح ذلك اليوم صباح عيد سعيد . يستمر أياماً يفرح الحجاج والمسلمون جميعاً بما رزقهم الله ووفقهم إليه وبما يأملونه من فضله ومغفرته . وحتى يكون الفرح بهذا اليوم فرحاً عاماً شاملاً . لا يتخلله أنين محزون ولا دمعة فقيرة ، دعا المسلمين القادمين إلى نحر الذبائح في هذا اليوم بعد أن يخرجوا من صلاتهم الجامعة ليطعموا منها الفقراء والمحرومين . ويكفوهم ذل السؤال ومشقة العمل في هذا اليوم السعيد , وحتى يشعر الفقراء بروح العطف والتعاون من جانب الأغنياء فتبدو الجماعة الإسلامية في مظهر قوي وبنيان متين وأخوة رحيمة ترضي الله والناس .
فكل عام وانتم أهل العروبة والاسلام بالف خير بمناسبة عيد الفطر المبارك اعاده الله على الجميع باليمن والبركات .
وأتم أهل سوريا الحبيبة عامة , وحمص العدية , ودمشق الفيحاء , والغوطة الغناء , وحلب الشهباء , وحماة أبي الفداء والنواعير , وإدلب , وجسر الشغور , ومعرة النعمان , والرقة مقام عمار بن ياسر ومصيف هرون الرشيد . ودير الزور , والجزيرة أرض البليخ والخابور , واللاذقية , وطرطوس , وجبلة , وبانياس …. وكل مدينة وكل قرية في جبال أو سهول أو وديان الوطن الغالي سورية بألف خير من رب كريم , وليس ذلك على الله بعزيز .
المقالات »