التسبيح عند المسيحية والإسلام
كنت مع كربمتي شمس الهدى كاخيا وأسماء كاخيا حفظهما الله عام 1986 م , في رحلة من رحلات العمر بالقطار بين مدينة أو جزيرة كوبنهاجن عاصمة الدنمارك , ومدينة أو جزيرة أودنسا الثانية في الدنمارك , حيث عندما وصل بنا القطار إلى ساحل كوبنهاجن دخل القطار في جسم السفينة , وانطلقت السفينة تخوض غمار البحر حتى تصل إلى ساحل أودينسا فيخرج القطار بركابه متابعا سيره في البر إلى مدينة أودينسا . وتستغرق الحلة عدة ساعات .
جلسنا قرب بعضنا في مقصورة في القطار أنا وابنتي المحجبتين , وعلى المقعد المقابل , تجلس إمرأة متوسطة العمر . من لباسها وحجابها تعرف أنها راهبة وبيدها مسبحة تسبح بها , خرزاتها تنتهي بصليب من نفس نوع الخرز . وإلى جانبها يجلس رجل تشعر في وجهه الهيبة والوقار . ينظر إلينا بكل إحترام .
مضت الدقائق الاولى من سير القطار وكلنا سكوت , إلى أن أخرجت أنا من جيبي مسبحة لأسبح بها . هنا بادرت الراهبة في السؤال والكل هناك في الدول الاسكندنافية يتكلمون الانكليزية ٌقائلة : هل أنتم مسلمون عرب , قلت نعم , فقالت نحن المسيحيون نحمل المسبحة نمجد فيها إسم الرب , وهي كما ترى مؤلفة من نسع وتسعون حبة , كل ثلاث وثلاثون حبة مفصولة بحبة كبيرة , وهي دلالة على عمر السيد المسيح من يوم أن ولد إلى أن ارتفع إلى السماء , وارى مسبحتك تشابه مسبحتي تماما سوى أن خرزاتها تنتهي بشكل أخر غير الصليب . وهل تحمل المسبحة بيدك لتسبيح وتمجيد إسم الرب , أم لمجرد اللهو وتفريغ العصبية .
كان ذلك بداية لحديث بيني وبينها عن الاسلام والمسيحية وتآلف الاديان السماوية التي تنبع من معين واحد هو رب السوات والارض . وهذا ما أحببت أن أذكره هنا عن المسبحة والتسبيح في المسيحية والاسلام .
أما الرجل وأنا لا أعرفه أم لم أتذكره قال لي : أنت تشبه رجلا عربيا كيميائيا عبقريا ما كنت أظن أنه يوجد في العالم العربي مثله , تعرفت عليه في فندق اكسيلسيور في الخرطوم في السودان عام 1971 م . أي قبل خمسة عشر عاما , حيث كنت أعمل مستشارا في الامم المتحدة لتطوير التعليم الأولي ( الأساسي ) في البلاد النامية . وهذا الشخص الذي أحدثك عنه رغم أنه كيميائي يعمل في الصناعة , إلا أنه عليم وخبير بأساليب التدريس , فلم أتاملك نفسي إلا أن أقول : الله أكبر , أنا ذلك الرجل , والآن تذكرتك . حيث كنت أعمل حينها مستشارا للأمين العام للاتحاد العربي للسكر هناك .
تابع كلامه قائلا : أنا الان أتفاجأ أنك ضليع أيضا في الإلاهيات والأديان , وأنا الان أعمل مديرا لمركز إعادة تأهيل معلمي المدارس الابتدائية في الدنمارك , حبذا لو تزورني في المركز الذي يقع على بعد عشرين كيلو متر خارج كوبنهاجن في الطريق إلى مدينة هلنسجور ذات القلعة المشهورة التي وقعت فيها أحداث قصة هملت التي كتبها الكاتب البريطاني شكسبير . فوعدته خيرا , حيث زرته في هذا المركز بعد عدة أشهر ولكن مع ولدي محمد إسماعيل حفظه الله وهذا سيكون محور حديثنا إن شاء الله غدا
صلاة التسبيح .. التمجيد .. الهتاف لله ..عند الأخوة المسيحيون :
قالت الاخت الراهبة مما أذكر حفظها الله , وكانت تحمل في حقيبتها نسخة من الكتاب المقدس تترجم لي منه بعض آياته للإستدلال بما تتحدث :
قالت كلمة « تسبيح » في أصلها لها معان ثلاث :
الأولى : المديح .
الثانية : التمجيد .
الثالثة : « تقدير قيمة »، أي أنك تقدِّر هذا الشخص واستحقاقه . وهي ( نفس فكرة التمجيد ) ولكنها تعني أنه ممجد في ذاته ، تقدِّره لأنه هو فعلاً هكذا.
وعن تسبيح الرب تقول :
1- هو سجود القلب أمام بهاء الرب وجلاله ، واعتراف الفم بروعة الرب وكماله ، وذلك بالمديح والتمجيد
والكتاب المقدس أعطى للتسبيح صفة هامة , وهي أنها ذبيحة أي تقدمة نقدمها للرب ، فالتسبيح ليس الفترة التي فيها نطلب أو نأخذ من الرب شيئاً ، لكنه الوقت الذي نقدم للرب فيه مجد اسمه ، ونعترف بحقه ومكانته . فذبيحة التسبيح هي اعتراف شفاهنا بحقيقة الله… بكل ما فيه من مجد وسمو ، كنتيجة لإدراكنا لهذا الحق في قلوبنا.
2- والتسبيح عمل إرادي كما يوضحه الكتاب المقدس ، فيه نمجد الله ونعلي اسمه . إنه ليس مجرد رد فعل عاطفي تجاه أحداث معينة تجري من حولنا ، والتسبيح لا يمكن أن يكون نابعاً من المشاعر والعواطف فقط ، بل التسبيح عمل إرادي أختار أن أفعله . ولأن التسبيح مرتبط بشخص الله وصفاته التي لا تتغير ، لذلك أستطيع أن أسبحه كل الوقت وفي كل الظروف . وهذا ما قاله المرنم : « أُبَارِكُ الرَّبَّ فِي كُلِّ حِينٍ ، دَائِماً تَسْبِيحُهُ فِي فَمِي »
3 – وعن الفرق بين التسبيح والشكر هو أننا في التسبيح نمجد الله لذاته وصفاته . أما الشكر فهو الاعتراف بفضل الله لعطاياه ونعمه علينا ، فالتسبيح موجَّه لشخص الله والشكر لأعماله .
والفرق بين التسبيح والترنيم : أن التسبيح صلاة قد تكون مرنَّمة ، أما الترنيم فهو وسيلة نقدم بها صلواتنا التي قد تكون تسبيحاً أو شكراً أو توبة أو تضرعاً بحسب محتوى الترنيمة نفسها.
فمن التسبيح كما جاء في بعض المزامير : « اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ . اعْبُدُوا الرَّبَّ بِفَرَحٍ . ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ . اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ . هُوَ صَنَعَنَا ، وَلَهُ نَحْنُ ، شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ . ادْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ ، دِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ . احْمَدُوهُ ، بَارِكُوا اسْمَهُ ، لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ . إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ »
* بهذا دعانا كاتب المزمور أن نهتف للرب بفرح ، وأن ندخل إلى حضرته بترنم وبحمد وتسبيح لنبارك اسمه . فهو يريدنا أن نتعلم الأمر العظيم : تسبيحه وتمجيده .
يتكلم المؤمنين كثيراً عن “تسبيح الله” ، ويوصي الكتاب المقدس كل الخلائق بتسبيح الله . و”التغني بالمديح”. و تقديم الشكر والإلكرام لمن يستحق التسبيح .
و كلمة تسبيح وردت في عدة آيات :
تقدم الآية الأولى “مكان” التسبيح – وهو كل مكان! “سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ . سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ.”
والآية التالية تعلمنا ” لماذا ” نسبح الله : “سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ . سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ .”
والآية الثالثة تقدم “كيف” نسبح الله – بكل نسمة وكل وسيلة نمتلكها .
وفي نهاية الزمان ، سوف يشترك كل شعب الله في التسبيح الأبدي لله . وإن من هم مع الرب سوف يسبحون ملك الملوك في كمال إلى الأبد . كما قيل أن عبادتنا للرب على الأرض هي ببساطة إستعداد لإحتفال التسبيح الذي سيكون في الأبدية مع الرب .