رغم أن المواد السامة والمهيجة كانت مستعملة في الحروب منذ قدم التاريخ غير أن الدول والحكومات لم تتنبه لتحريهما إلا في نهاية القرن التاسع عشر . حيث تعهدت الحكومات المشتركة في مؤتمر السلام بلاهاي سنة 1899 بعدم استعمال المواد الكيميائية في الحروب . وبمعاهدة لاهاي سنة 1907 اتفق المتعهدون على تحريم استعمال السم أو الأسلحة المسمومة أو استعمال أي أداة غيرها تسبب ألماً لا ضرورة له , وقد حاولت بعض الدول التخلص من تطبيق هذه القاعدة على الغازات السامة غير أن معاهدة فرساي سنة 1918 قطعت بأن استعمالها مخالف للقانون الدولي وأيدت ذلك الدول التي كانت ممثلة في مؤتمر واشنطون سنة 1922 . ثم جاء بروتوكول جنيف لسنة 1925 الموقع عليه من معظم الدول وحرم استعمالها بتاتاً , ولكن هذا لا يمنع احتمال استعمال الغازات السامة في الحروب ولذلك فالدول تتخذ الاحتياطات اللازمة ضد هذا الاستعمال من باب الوقاية , كما يجد بعضها في اكتشاف غازات جديدة أو عمل تجارب على المعروفة منها والتي تكون قد فشلت في الاستعمال في الحرب العالمية الأولى .
ويقول الذين لايرون في استعمال الغازات في الحرب انتهاكاً لحرمة الإنسانية كما في استعمال البارود والمواد المتفجرة والحارقة يقولون بأن غازات الحرب أقل ضرراً من وسائل الحرب الأخرى الآتية :
* إن نسبة الوفيات من إصابات الغازات أقل مما هي في إصابات باقي الأسلحة ففي الحرب العظمى الأولى وجد أنه بين كل 12 وفاة في الجيش البريطاني لم يحدث إلا وفاة واحدة بسبب الغازات . وكانت نسبة الوفيات بالغازات إلى غيرها في الجيش الألماني كنسبة 1 : 15 وفي جيش الولايات المتحدة 1: 12 أيضا .
ففي موازنة بين إصابات الغازات وإصابات المقذوفات النارية ووفياتها في جيش الولايات المتحدة بفرنسا في الحرب العالمية الأولى نجد أن :
عدد الوفيات من المقذوفات النارية 12192 أو 89,05 % من مجموع الوفيات
عدد الوفيات من الغازات 01221 أو 10,95 % = = =
* إصابات الغازات أقل شدة من الجروح فالرصاص يخرق الوجوه والأجسام ويسبب عاهات عديدة ففي جيش الولايات المتحدة حدث بسبب الجروح 66 حالة عمى كامل 644 عمى في عين واحدة بينما أن الغاز سبب أربع حالات عمى كامل و25 عمى في عين واحدة وذلك في الحرب المذكورة .
* قل أن يحدث الغاز عاهة مستديمة .
* يمكن التحكم في استعمال الغاز ( إنسانية ) بينما لا يمكن ذلك في الأسلحة الأخرى كالقنابل المتفجرة فإنه مثلاً يمكن استعمال غازات مضايقة فقط أو أقل سمية كغازات الدموع .
* يلزم استعمال مقادير كبيرة من الغاز لإحداث أثر فعال , ما يلزم ذلك من تحضير حفظ وانتظار الظروف الملائمة إلخ……
* كفاية طرق كشف الغازات في الوقت الحاضر والعمل على اتقاء فعلها المضر .
* صعوبة تلويث الجو بدرجة تركيز كافية من الغاز لإحداث مفعوله .
* كفاية وسائل الوقاية الموجودة الآن حتى للغازات الثابتة .
* انعدام كامل المفاجأة في الوقت الحاضر نظراً للاستعداد للغاز في جميع الدول .
أما الذين يرن باستعمال الغاز انتهاكاً لحرمة الإنسانية فبرهانهم على ذلك :
* إن مفعول الغاز فيما يختص بالمساحة والزمن يفوق مفعول أي آلة أخرى من آلات الحرب إذ أن القنبلة المنفجرة ينحصر مفعولها فيما تصيبه شظاياها بخلاف قنابل الغاز التي يبدأ مفعولها بعد انفجارها وتحث مفعولها في مسافات شاسعة ولذا قد تصيب أشخاصاً وهم في حالة وقاية من مفعول القنابل المنفجرة . كما أن الغاز الثابت يظل يحدث مفعوله لمدة طويلة بعد إلقاء القنبلة.
* مفعولها المتأخر والذي يأتي خلسة , فقد لا يشعر المتسمم بشيء وقت تسممه وإنما تظهر عليه الأعراض بعد وقت ما .
* الاستعداد الدائم لاتقاء الغازات بحمل الكمامة أو الملابس الواقية مما يضايق الجندي ويعيق عمله.
المواد السامة :
وبجانب لك المواد التي تسبب التهابات يؤدي إلى الموت استمرار المكث فيها أو بزيادة تركيزها , كما شرحنا – تأتي مواد أخرى سامة منها ما يؤثر على أعضاء الجسم دفعة واحدة بدون أي تأثير مهيج أو أي عوارض أخرى تنذر بالخطر , ومنها ما يكون مصحوباً أولاً بتأثر مهيج يشعر بوجود هذه المواد فيمكن الفرار منها أو استعمال طرق الوقاية فمثلاً .
* حامض السيانيك : غاز سام جداً ليس له أي تأُير مهيج يحذر من خطره .
* كلور بيكرين : شديد التأثير الالتهابي وشديد التأثير السمي.
* ثنائي كلور ثنائي اتيل الكبريت ( غاز الخردل ) : في حالته الغازية قليل التأثير المهيج ولكنه سم شديد للخلايا فإنه يؤثر على الجلد بجرد ملامسته له .
والتأثير السام إما أن يكون ذا أثر فعال على الفور مثل تأثير حامض السيانيك أو يكون أثره تدريجياً مثل أول أكسيد الكربون والفوسجين فإن الموت يتسبب عنهما بعد ساعات أو أيام .
القوة الفعالة أو الكمية اللازمة لإحداث الموت :
وللمقارنة بين التأثير السام لبعض الغازات المختلفة عملت تجارب كثيرة على الحيوانات وقدرت كمياتها على حساب الإنسان فإذا رمزنا بالحرف ( ن ) إلى الزمن ( بالدقيقة الذي تستغرقه الوفاة لشخص يستنشق هواء به ( م ) مليغراماً من الغاز في المتر المكعب , فيكون حامل الضرب م × ن هو ما نطلق عليه القوة الفعالة وهي ثابتة لكل مادة . لأنه لما ازدادت الكمية ( م ) نقص الزمن ( ن ) والعكس بالعكس .
والقوة الفعالة هذه تمكننا من مقارنة المواد المختلفة بنسبة فعلها السام
رقم الحذر :
المواد المهيجة وكذا المواد السامة التي يسبق فعلها السام عوارض التهابات يمكن للإنسان اجتناب خطرها عندما يشعر بتأثيرها المهيج فكلما اشتد هذا التأثير زاد حذر الإنسان منها وسميت النسبة من القوة الفعالة إلى درجة عدم التحمل برقم الحذر
فالفوسجين مثلاً قوته الفعالة = 450 ودرجة عدم التحمل هي 20 فيكون رقم الحذر 450 ÷ 20 = 22
والكلور استوفيون قوته الفعالة = 4000 ودرجة عدم التحمل هي 4,5 فيكون الحذر له حوالي 1000 فكلما ازداد رقم الحذر تنبه الإنسان إلى خطر المادة .
المواد الكاوية :
بينما تؤثر المواد المهيجة والمواد السامة في أعضاء التنفس تؤثر المواد الكاوية في الجلد ( البشرة ) وتتلف الخلايا بدرجة لا يمكن شفاؤها ورجوعها إلى أصلها وتكون في الغالب سائلة مثل كلور ثنائي أيثيل الكبريت وكلور فينيل الزرنيخ ثنائي الكلور . ولأبخرة هذه المواد تأثير في أعضاء التنفس والأعين إذا وجدت بحالة تركيز كافية في الهواء .
الصورتين : من مؤتمرات السلام في لاهاي وجنيف لتحريم استعمال الغازات السامة