3 – الأستاذ : محمود بن عبد الرحيم صافي
1 – تقديم :
الشيخ محمود بن عبد الرحيم صافي : من أعلام مدينة حمص السورية ، وهو مؤلف الكتاب الكامل المفصّل في إعراب القرآن وصرفه وبيانه ؛ ( الجدول في إعراب القرآن ، وصرفه ، وبيانه ) . بعد أن أنفق فيه خلاصة عمره .
اشتهر – رحمه الله – بعلوم اللغة العربية من لغة ونحو وصرف وبديع ومنطق وبيان . عرف بقوة الحافظة والتحقيق . وكان جياش العاطفة ، محبًا للناس ، داعيًا إلى الله ، محرضًا على الخير وله الكثير من الجهود التي كان يقوم بها في خدمة المسلمين مما ينوء عن حملها الأشداء من الرجال ، ولم لا ففي مدينة حمص عدد كبير من العلماء العاملين والمرشدين العارفين الذين عملوا على نشر العلم في شتى فروعه وأقسامه ومنهم الاستاذ الكبير محمود صافي
ولد رحمه الله ؛ لأسرة ال صافي وهي عائلة في مدينة حمص , عريقة في العلم والفضل والأخلاق والأدب الصافي الذي لا شائبة فيه ، وكثيرون من رجالات هذه الأسرة يشار إليهم بالبنان علما وفضلاً وزهداً وورعاً كالشيخ سليم صافي ابن الشيخ نجيب صافي ( 1815 – 1879 م ) وهو الزاهد الورع المتواضع الولي , دائم الخشوع أمضى حياته لمساعدة المحتاجين وقضاء حوائجهم , وكان شاعراً مجيداً له العديد من القصائد في مدح الرسوم الكريم صلى الله عليه وسلم . والشيخ أحمد صافي , وأخي ورفيق دربي الشيخ عبد الوكيل صافي رحمه الله , وأساتذتي المربين الكبار الاستاذ عبد الكريم صافي العالم الجغرافي الكبير , والأستاذ عبد العليم صافي الشاعر الملهم , مدير التجهيز الأولى بحمص ( ثانوية الزهراوي الان ) ثم مدير التربية والتعليم في حمص , وغيرهم الكثير الكثير .
هؤلاء المبدعون الذين رحلوا عن حياتنا , وباتوا في طي النسيان , وقلّما يذكرهم أحد من الدارسين أو الباحثين , مع أن آثارهم موجودة ومطبوعة , تشير إلى انهم كانوا من اهم مبدعي المدينة , ورحلوا كما ترحل الورود مخلفة الشذى الذي لا ينضب ولا يموت .
2 – كتاب الجدول في إعراب القرآن ، وصرفه ، وبيانه
* هذا الكتاب في إعراب القرآن وصرفه وبيانه ، اقتصرَ فيه المؤلفُ على قراءة واحدة من القراءات السبع ، وهي قراءة حفص بن سليمان عن عاصم بن أبي النجود ، وإذا كان للكلمة المعربة أكثر من وجه للإعراب ، فيختار الإعراب المتعلِّق بالمعنى الأوضح والأظهر. مُتوخيًا أن يكون الإعراب مدرسيًّا من حيث الشكل ، معتمدًا على الاصطلاحات الإعرابية الحديثة المألوفة في مدارسنا وجامعاتنا ، ولم يترك أية كلمة دون إعرابٍ . كما اقتصر في إعرابه على القواعد العامة ، وذيَّل كل آية بدراسة صرفية اشتقاقية للكلمات الواردة فيها حتى تكون هذه الدراسة عونًا لكل طالب علم أو متعلِّم يبغِي تعرف علم الصرف .
* جاء فيما كتبه مقدمة لكتابه : الحمد لله الذي أقسم بالقلم رمز العلم . فقال جل ّ شأن { ن . والقلم وما يسطرون } . بسم الله الذي اختار لكتابه أن تكون لغته عربية : { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } . فجعل لغته لا افصح منها ولا ابلغ ولا أسلم . بل جعل لغته لغة أعجزت العرب أمة البلاغة والفصاحة أن تأتي بمثله أو سورة واحدة فقط . والحمد لله الذي من على هذه الامة بحفظ لغتها وصانها من كل تحريف أو تغيير , وذلك عندما تجلت إراته سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب العزيز : { إنا نحن نزلنا الذكر , وإنا له لحافظون } , وكان حفظ هذا الكتاب الكريم حفظا لهذه اللغة العربية من أي تحريف أو تغيير .
* ومن كلمة لمراجع الكتاب : الدكتور محمد حسن الحمصي قوله : رحم الله الاستاذ محمود صافي الذي بذل السنوات الطوال جادا مكافحا , ساهرا مكافح النوم , حيى استطاع أن يقدم لقآء اللغة العربية ما يخدم لغتهم , ولطلاب العلم الشريف ما يوطئ لهم سبل الطلب , ويسهلها عليهم .
* ومن كلمة للمربي وعالم اللغة العربية الكبير نور الدين شمسي باشا الحمصي قوله : لقد بذل الاستاذ محمود صافي في إعداد هذا الكتاب الكريم من الجهد ما يتناسب مع جلال المهمة التي استعد لها , وندب نفسه للقيام بها , فكان لا يرى إلا قارئا أو كاتبا , نظر في أوسق التفاسير , واطلع على مختلف معاجم اللغة , وتناول أمهات كتب النحو بالدرس والمفانة والتحليل . وإنها لاشك مشيئه الله أن يتوافق هذا العمل بمفارقة أن اختار الله الأستاذ محمود صافي إلى جواره
بعد ساعة واحدة من تسليم مسودة الكتاب إلى دار الرشيد للطباعة والنشر لتتولى طباعته ونشره وتوزيعه في العالم الاسلامي , لقد مات الرجل الكبير في ذات الساعة التي تمت فيه الولادة لعمل من أكثر الاعمال إرضاء لله نعالى .
3 – من ذكرياتي :
* لم أكن من طلابه في المدارس الثانوية , وإنما تعود معرفتي به وتلمذتي عليه لأواخر العقد السادس من القرن العشرين المنصرم , حيث أعتبر نفسي في ذلك الحين من الزمن طالبا وتلميذا في الجامع النوري الكبير لثلاث رجال فطاحل في اللغة العربية والنحو والصرف , الاستاذ الفاضل المربي الشيخ محمود صافي أحدهم , حيث كان حينها قيما للمكتبة الاسلامية في الجامع , من قبل مديرية الاوقاف بحمص , وكنت كثيرا ما ألتقي معه في مكتبة الجامع وأحيانا في بيته . والثاني علامة اللغة العربية وعلومها الشيخ عبد الكريم السباعي رحمه الله , وكان إمام الشافعية في صلاة الصبح في الجامع وكانت له غرفة في الجامع بات ينام فيها أواخر عمره , والثالث علامة النحو والصرف بدون منازع العلامة الشيخ طاهر نبهان رحمه الله , الجد من جهة أبيه للأستاذ العلامة الدكتور عبد الإله نبهان – عضو مجمع اللغة العربية بدمشق وأستاذ قسم اللغة العربية بجامعة البعث وهو باحث له باع طويل في مجال دراسة التراث العربي – كنت ألتقي به أحيانا من بعد صلاة الظهر في الجامع إلى ما بعد صلاة العصر.
* من المفارقات أنني في بدايات العقد السابع للقرن العشرين الماضي , كنت رئيس اتحاد طلبة الإقليم الشمالي في مصر. قمت بزيارة لجامعة الإسكندرية للقاء الطلبة السوريين هناك فإذ بي أتفاجئ بلقاء حفيد شيخي طاهر نبهان وسميه الأستاذ الفاضل طاهر نبهان الذي كان يدرس في كلية التجارة , واخذني أكرمه الله في زيارة اطلاعيه لقصر المنزه للملك فاروق , عين بعد تخرجه في مالية حمص .
* ومن المفارقات أيضاعند زيارتي لولاية فلادلفيا في الولايات المتحدة عام 1993 م . زرت مقر الجالية السورية , وإذ برئيس الجالية وهو طبيب مشهور هناك يرحب بي قائلا : أهلا بالعم طارق كاخيا. فقلت له كيف عرفت إسمي . قال وهل ينسى القمر , أنا عبد الرحيم بن الأستاذ محمود صافي , وكثيرا ما كنت تزور والدي رحمه الله في البيت . وتتناقش معه في شتى العلوم من العربية إلى الكيمياء والفيزياء إلى واقع العالمين العربي والاسلامي , وكنت أنا صغير السن آن ذاك .
4 – خاتمة :
أتمنى بمقالتي هذه أن تكون دعوة للمخلصين أن ننفض غبار النسيان عن هؤلاء الرجال الفطاحل من رجالات وعلماء وعظماء مدينتنا حمص .
المقالات »