ثانيا – مرحلة الدعوة في المدينة المنورة
وهي الفترة التي امتدت عشر سنوات ، من يوم هجرة الرسول ﷺ من مكة إليها . ــــــــــــــ { بسبب الإرهاب والظلم والعدوان ضدّ النبي ﷺ ودعوته والمؤمنين به ، حيث مارست قريش القتل والتعذيب والحصار الاقتصادي ، والإرهاب الفكري والاضطهاد الاجتماعي ، ولما لم تفلح في تحقيق أهدافها , قرّرت قتل النبي ﷺ والتخلّص منه } ـــــــــــ وحتى وفاته فيها . وهي عصر التشريع ، واكتمال الرسالة . وبناء الدولة والمجتمع على أساس العدل وقيم الأخلاق وسيادة القانون واحترام إرادة الأمّة. إلى جانب الدعوة إلى الإسلام . .
ولقد نصّ القرآن على ذلك . بقوله تعالى :
* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا / النساء 58 /
* ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ / الجاثية 18 / .
* كما يؤكِّد القرآن للرسول ﷺ احترام إرادة الأمّة والتشاور معها ، والتعامل الإنساني الشفاف ،
فبما رحمة من الله لنت لهم , ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك , فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر , فإذا عزمت فتوكّل على الله / آل عمران 159 / .
وهكذا انتقل الإسلام بالمجتمع العربي في المدينة المنورة من الحياة والصراعات القبلية التي كانت بين القبائل ، إلى الدولة وبنائها على أسس جديدة ، من العدل ، وسيادة القانون ، واحترام إرادة الأمّة ورأيها . .
* وراح الرسول ﷺ ألى جانب ذلك يواصل دعوته إلى الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية كافّة ، منطلقاً من الدولة التي يقودها في المدينة . بالحوار والحكمة والموعظة الحسنة .
* إضافة إلى أرسال الرسل إلى ملوك الدول وإلى زعماء القبائل يدعوهم فيها إلى الاسلام . وبهذا النظام ثبت أسلوباً آخر من أساليب الدعوة العقائدية والسياسية . .
* ولما كانت هناك موجبات لحماية الدعوة والدولة ، من القوى المعادية التي حولها : دولة الفرس ، ودولة الروم , وتكتل اليهود في المدينة وحولها ، وقوى قريش التي ما زالت تعمل على القضاءعلى دعوته .
* إذاً فمن المنطقي والضروري أن يتبنى هذا الدين أداة القوّة للدفاع والحماية والوقوف بوجه القوى الموجه ضدّه ، من هنا دعت الضرورة لتشريع الجهاد والقتال للدفاع ، وإزالة الظلم والطغيان الذي تحصن بالعنف والقوّة والإرهاب , فنزل قوله تعالى :
* أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ / الحج 39 /
* وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ / التوبة 36 /
* وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ / التوبة 190 /
* ومن هنا كانت غزوة بدر وأحد والخندق وخيبر ومؤتة وفتح مكة وحنين .
* ولقد خاض رسول الله ﷺ بنفسه الكثير من الغزوات ، وبعث السّرايا ، لمواجهة الكفّار والمشركين من أعداء دعوة الحقّ ، وقد انتصر المسلمون في بعض هذه الغزوات وخسروا في أخرى ،
* ولمزيد من حفظ الأمن والسلام ، وكف نذر الحرب والقتال ، شرع الإسلام نظام المواثيق والعهود ، ووضع له قوانينه وأحكامه الخاصّة ،
* إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ / التوبة 4 /
ابتدأ بمعاهدة سلام مع اليهود المقيمين في المدينة ، في السنة الأولى من وصول الرسول ﷺ إليها . ثمّ توقيع معاهدة صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة .
المقالات »